كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
ذكر أخبار محبوبة
قال أبو الفرج : كانت مولدةً من مولدات البصرة ، شاعرةً ، سريعة الخاطر ، مطبوعةً ، لا تكاد فضل الشاعرة اليمانية تتقدمها ، وكانت أجمل من فضلٍ وأعف ، وكانت تغني غناءً غير فاخر .
وقال علي بن الجهم : كانت محبوبة لعبد الله بن طاهر أهداها إلى المتوكل في جملة أربعمائة جارية . وكانت بارعة الحسن والظرف والأدب ، مغنيةً محسنةً ، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خاف الستارة وراء ظهره إذا جلس للشرب ، فيدخل رأيه إليها فيراها ويحدثها في كل ساعة .
وقال علي بن يحيى المنجم : كان علي بن الجهم يقرب من أنس المتوكل جداً ، فلا يكتمه شيئاً من سره مع حرمه وأحاديث خلواته . فقال له يوماً : إني دخلت على قبيحة فوجدتها قد كتبت اسمي على خدها بغالية ، فلا والله ما رأيت شيئاً أحسن من سواد تلك الغالية على بياض ذلك الخد ، فقل في هذا شيئاً - قال : وكانت محبوبةً حاضرة الكلام من وراء الستارة - فدعا علي بن الجهم بدواة ، فإلى أن أتي بها وابتدأ يفكر قالت محبوبة على البديهة من غير فكرة ولا روية :
وكاتبةٍ في الخد بالمسك جعفرا . . . بنفسي مخط المسك من حيث أثرا
لئن كتبت في الخد سطراً بكفها . . . لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا
فيا من لملوكٍ لملك يمينه . . . مطيعٌ له فيما أسر وأظهرا
ويا من هواها في السريرة جعفرٌ . . . سقى الله من سقيا ثناياك جعفرا
قال : فبقى علي الجهم واجماً لا ينطق بحرف ، وأمر المتوكل بالأبيات فبعث إلى عريبٍ وأمرها أن تغني فيها . قال علي بن الجهم : فتحيرت والله وتقلبت خواطري ، فو الله ما قدرت على حرفٍ واحدٍ أقوله .