كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
وقال أيضاً : غاضب المتوكل يوماً محبوبة وهجرها ومنع جواريها جميعاً من كلامها ، ثم نازعته نفسه إليها وأراد ذلك ، ثم نازعته العزة منها وامتنع من ابتدائها ، وامتنعت من ابتدائه دلالاً عليه لمحلها منه . قال علي : فبكرت إليه يوماً ، فقال لي : يا علي ، إني رأيت البارحة في نومي كأني صالحت محبوبة . فقلت : أقر الله عينك يا أمير المؤمنين وأنامك على خيرٍ وأيقظك على سرورٍ أرجو أن يكون هذا الصلح في اليقظة . فبينا هو يحدثني وأحدثه إذا بوصيفةٍ قد جاءت فأسرت إليه شيئاً ، فقال : أتدري ما أسرت إلي هذه ؟ قلت : لا . قال : حدثتني أنها اجتازت بمحبوبة الساعة وهي في حجرتها تغني ، أفلا تعجب من هذا ؟ أنا مغاضبها وهي متهاونةٌ بذلك ، لا تبدؤني بصلحٍ ثم لا ترضى حتى تغني في حجرتها ، فقم بنا نسمع ما تغنني . ثم قام وتبعته حتى انتهى إلى حجرتها ، وإذا هي تغني :
أدور في القصر لا أرى أحداً . . . أشكو إليه ولا يكلمني
حتى كأني أتيت معصيةً . . . ليست لها توبةٌ تخلصني
فهل لنا شافعٌ إلى ملكٍ . . . قد زراني في الكرى وصالحني
حتى إذا ما الصباح لاح لنا . . . عاد إلى هجره فصارمني
فعجب المتوكل ، وأحست بمكانه فأمرت بخدمها فخرجوا وتنحينا ، وخرجت إليه فحدثته أنها رأته في منامها فانتبهت وقالت هذه الأبيات وغنت فيها ، فحدثها هو أيضاً رؤياه واصطلحا . فلما قتل المتوكل سلاه جميع جواريه غيرها ، فإنها لم تزل حزينةً هاجرةً لكل لذةٍ حتى ماتت . ولها فيه ميراث .
حكى أبو الفرج : أن وصيفاً بعد قتل المتوكل أحضرها يوماً وأحضر الجواري ، فجئن وعليهن الثياب الملونة المذهبة والحلي وقد تزين وتعطرن ، وجاءت محبوبة وعليها ثيابٌ بيضٌ غير فاخرةٍ حزناً على المتوكل . فغنى الجواري جميعاً وشربن ، وطرب وصيف وشرب . ثم قال : يا محبوبة ، غني ، فأخذت العود وغنت وهي تبكي : أي عيشٍ يطيب لي . . . لا أرى فيها جعفرا