كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
وكان سبب وفاته أنه خرج عليه جربٌ ، فشكاه إلى يحيى بن ماسويه ، فبعث إليه بدواءٍ مسهلٍ وطلاء ، فشرب الطلاء وأطلى بالدواء ، فقتله ذلك . قال : وكان علويه أعسر ، فكان عوده مقلوب الأوتار : ألبم أسفل الأوتار كلها ثم المثلث فوقه ثم المثنى ثم الزير ، فكان عوده إذا كان في يد غيره يكون مقلوباً ، وإذا أخذه كان في يده اليمنى وضرب باليسرى فيكون مستوياً . وكان إسحاق يتعصب له في أكثر أوقاته على مخارق . وقال حماد ابن إسحاق : قلت لأبي : أيما أفضل عندك مخارق أم علويه ؟ فقال : يا بني ، علويه أعرقهما فهماً بما يخرج من رأسه ، وأعلمها بما يغنيه ويؤديه ، ولو خيرت بينهما من يطارح جواري ، أو شاورني من يستنصحني لما أشرت إلا بعلويه ، لأنه يؤدي الغناء ، وإذا صنع شيئاً صنه صنعةً محكمةً ، ومخارق لتمكنه من حلقه وكثرة نغمه لا يقنع بالأخذ منه ، لأنه لا يؤدي صوتاً واحداً كما أخذه ولا يغنيه مرتين غناءً واحداً لكثرة زوائده فيه ، ولكنهما إذا اجتمعا عند خليفةٍ أو سوقةٍ غلب مخارق على المجلس والجائزة بطيب صوته وكثرة نغمه .
وقال أبو عبد الله بن حمدون : حدثني أبي قال : اجتمعت مع إسحاق يوماً في بعض دور بني هاشم ، وحضر علويه فغنى أصواتاً ثم غنى من صنعته :
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعةٍ . . . إلي فهلا نفس ليلى شفيعها
فقال له إسحاق : أحسنت أحسنت والله يا أبا الحسن أحسنت ما شئت فقام علويه من مجلسه فقبل رأس إسحاق وعينيه وجلس بين يديه وسر بقوله سروراً كثيراً ، ثم قال أنت سيدي وابن سيدي وأستاذي وابن أستاذي ، ولي إليك حاجةٌ . قال : قل ، فوالله إني أبلغ فيها ما تحب . قال : أيما أفضل أنا عندك أم مخارق ؟ فإني أحب أن أسمع منك في هذا المعنى قولاً يؤثر ويحكيه عنك من حضر ، فشرفني به . فقال