كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
ابتهج الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه بكى . فقالوا : ما يبكيك وقد أكمل الله لنا ديننا برحمته ، وأتمم لنا سابغ نعمته ؟ فقال : يبكيني أنه ما تم أمرٌ إلا بدا نقصه . فقبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قريبٍ . وإذا كانت مشوبةٌ برائعٍ يتخلل صفوها ، وطارقٍ يجهم في بعض الأوقات عفوها ، كان ذلك صارفاً عنها عين الكمال ، مؤذناً بطول الآجال ، حاكماً لها بتراخي عمر البقاء ، دالاً على الصعود بها إلى درج المكث الطويل والارتقاء ، وحكمه حكم المرضى الذي تصح به الأجساد ، وتمحص ذنوب من يسلط عليه من العباد :
فلا يبهج الأعداء سوء ظنونهم . . . فلله صنعٌ في الذي ساء ظاهره
فكم طالبٍ به الشر كامنٌ . . . وكم كارهٍ أمراً به الخير وافر
فلله الحمد الذي جعل ما جرت به الأقدار من الألم الواقع ظاهره ، الوجل لوقعه ناظره ، لعنايته جلت عظمته عنواناً ، وعلى دوام نعمته دليلاً واضحاً وبرهاناً . وإليه الرغبة في أن يجعل الديار وساكنيها ، والناس في أقاصي الدنيا وأدانيها ، لشريف الحوزة التي بها صلاح العالم فداء ، وعنها للمكروه وقاء ، فكل حادثٍ مع دوام هذه الأيام الزاهرة جللٌ ، وكل غمرٍ من نوائب الدهر ما دفع لطف الله عنها وشل .
وقال أبو عبادة البحتري يهنئ الفتح بن خاقان بسلامته من الغرق :
بعدوك الحدث الجليل الواقع . . . ولمن يكايدك الحمام الفاجع
قلنا : لعاً لما عثرت ولا تزل . . . نوب الليالي وهي عنك رواجع