كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 138 """"""
وسره بنبأ النيل الذي عم نيلا ، وجرى على وجه الأرض ملاءة ملأته ، فشمر المحل للرحلة ذيلا ، وجرد على الجرد سيف خصبه فسال محمر دمه على وجه الصعيد سيلا ، وجرى وسرى في ضياء إشراقه وظلمة تراكمه إلى الأرض التي بارك بها حولها ، فجعل من أجراه نهاراً وسبحان من أسرى به ليلاً . صدرت هذه المكاتبة إليه - أعزه الله تعالى - ونعم الله قد عمت ، وآلاؤه مع تحقق المزيد قد تمت ، ومواد فضله قد أمت الأقطار فقامت صلاة الصلات إذ أمت ، وكلمة الخصب قد نمت في الآفاق ، فوشت بمكنون حديثها للأرض ونمت ، والخصب قد أقبل على الجدب فلم يكن له بمقاومته قبل ، وطوفان الرحمة قد طبق الوهاد ، فلم يغن المحل أن قال : سآوى منه إلى جبل . والسيل قد بلغ في تتبع بقايا القحط الزبى ، والنيل قد عم بنيله الأرض حتى كلل مفارق الآكام وعمم رءوس الربا ، وحمى الأرض من تطرق المحول إليها فأصبحت منه في حرم ، وظهرت به عجائب القدرة ، ومنها أن ابن الستة عشر بلغ إلى الهرم ، وبث جوده في الوجود فلو صور نفسه لم يزدها على ما فيه من كرم ، وتلقت منه النفوس أبهج محبوبٍ طرد ممقوتاً ، ووثقت من حمرته بالغنى والمنى إذ لم تدر أيا قوتاً تشاهد منه أم قوتاً . وجرى في الوفاء على أكمل ما ألف من عادته ، وظهر بإشراقه وعموم نفعه ظهور الشمس فألقى على الأرض أشعة سعادته ، وأقبلت به على الخلق بوادر الإقبال ، وركب الناس منه في سفن النجاح والنجاة فهي تجري بهم في موجٍ كالجبال . وبلغ الله به المنافع فزعزع الشم ولم يتجاسر على الجسور ، وأمن الناس به طروق المحل الطرود به عنهم فضرب بينهم بسور ، وأقطع الخصب الأرض كلها فله في كل بقعةٍ مثالٌ مرئيٌ ومنشور منشور ، وبعث إلى كل عملٍ من سرايا جوده عارضاً مغضباً على المحل ما يخطر إلا وسيفه مشهور ، وأودع بطن الثري مواد ثرائه ، واستقبل الورى بوجه ما تأمله امرؤٌ صادى الجوانح إلا ارتوى من مائه ، وأظهر الله به مثال ما سلف من كرامة أصفيائه ، إذ جعل تحت كل نخلةٍ من سراه سرايا ، وجلا به عن الأمة ظلم الغمة إذ أطلع منه في أول مطالعه

الصفحة 138