كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 14 """"""
أخرج ، وجفاه مدة ، حتى سأل كوثراً أن يترضاه له فترضاه له ورده إلى الخدمة وأمر له بخمسة آلاف درهم . فلما قدم المأمون تقرب إليه بذلك فلم يقع له بحيث يحب ، وقال : إن الملك بمنزلة الأسد أو النار فلا تتعرض لما يغضبه ، فإنه ربما جرى منه ما يتلفك ثم لا يقدر بعد ذلك على تلافي ما فرط منه ، ثم قرب من المأمون بعد ذلك . قال علويه : أمرنا المأمون أن نباكره لنصطبح ، فلقيني عبد الله بن إسماعيل المراكبي مولى عريب فقال : أيها الظالم المعتدي ، أما ترحم ولا ترق عريبٌ هائمةٌ من الشوق إليك تدعو الله وتستحكمه عليك وتحلم بك في نومها في كل ليلةٍ ثلاث مرات . قال علويه : فقلت أم الخلافة زانية ومضيت معه . فحين دخلت قلت : أستوثق من الباب فإني أعرف الناس بفضول الحجاب ، وإذا عريبٌ جالسةٌ على كرسيٍ تطبخ ثلاث قدورٍ من دجاج . فلما رأتني قامت فعانقتني وقبلتني وقالت : أي شيءٍ تشتهي ؟ فقلت : قدراً من هذه القدور ، فأفرغت قدراً بيني وبينها فأكلنا ، ودعت بالنبيذ فصبت رطلاً فشربت نصفه وسقتني نصفه ، فما زلت أشرب حتى كدت أن أسكر . ثم قالت : يا أبا الحسن ، غنيت البارحة في شعرٍ لأبي العتاهية أعجبني ، أفتسمعه وتصلحه ؟ فغنت :
عذيرى من الإنسان لا إن جفوته . . . صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
وإني لمشتاقٌ إلى ظل صاحبٍ . . . يروق ويصفو إن كدرت عليه
فصيرناه مجلسنا . وقالت : قد بقي فيه شيء ، فلم أزل أنا وهي حتى أصلحناه . ثم قالت : أحب أن تغني أنت أيضاً فيه لحناً ففعلت ، وجعلنا نشرب على اللحنين ثلاثاً . ثم جاء الحجاب فكسروا الباب واستخرجوني ، فدخلت على المأمون فأقبلت

الصفحة 14