كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 141 """"""
لا الروي حتى أضحى كالشعراء يهيم في كل واد ، وعمت بركاته على الأرض فتركن كل قرارةٍ كالدرهم من الخصب مرتعاً ، وأربى على ريه فيما سلف من السنين ، فأضحى كهوى ابن أبي ربيعة " يقيس ذراعاً كلما قسن إصبعا " ، وتجعد على الآكام فخيل للعيون أنها تسيل ، وشيب مفارق الربا ببياض زبده ، وعادة بياض الشيب أن يخضب بورق النيل . وكأن ما بقي من المحل قد جعل بينه وبينه سداً ، وتستر منه ورآه وهو يملي ويعد له عداً ، فصدمه بقلبه وجعله دكاً إذ جاء أمر ربه وأدركه وملكه ، وسفك دمه فجرى مستطيلاً إذ سفكه ، ووفى بما وعد من ظفره ، وأتى لنصرة الخصب من مكانٍ بعيدٍ فأسفر عن النجح وجه سفره ، وأسبل على مقياسه ستر السرور لإخفاره ذمة الجدب لا لخفره ، وبشر مصره بنصرة سرايا السحائب في أقطار الممالك لأنها من أشياعه ونفره . ولما كان اليوم الفلاني علق الستر وخلق المقياس ، وكسر الخليج فكان في كسره جبرٌ للخليقة ومنافع للناس ، وذلك بعد أن وفى النيل المبارك ستة عشر ذراعاً ، وصرف في مصالح البلاد يداً تضن بالبذل خرقاً وتكفي بحسن التدبير ضياعاً ، وبث في أرجاء الأعمال بحاراً تحسب بتلاطم الأمواج ركاماً وبمضاعفة الفجاج سراعاً . وهو بحمد الله آخذٌ في ازدياده إلى حده ، جارٍ على اعتياده في المشي على وجه الثرى وخده ، يتتبع أدواء المحل تتبع طبيبٍ خبير ، ويعكس بيت أبي الطيب فتمسي وبسطها تراب ، ويصبحها وبسطها حرير . وقد وثقت الأنفس بفضل الله العميم ، وأصبح الناس بعد قطوب اليأس تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، تيمناً ببركة أيامنا التي أعادت إليهم الهجوع ، وأعاذتهم مما ابتلي به غيرهم من الخوف والجوع . فليأخذ المجلس العلي حظه من هذه

الصفحة 141