كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 150 """"""
الهيجاء قد استعدت لأخذ فرص النصر ومناهزها ، والرماح قد اهتزت شوقاً إلى لقائهم ، والسيوف قد آلت أنها لا توافق على مقامهم ، والمجانيق تزور حماهم وتلك الزيارة لشقائهم ، وتدمر بحجارتها عليهم تدميراً ، وتريهم من بأسها يوماً عبوساً قمطريراً ، وتصير بهم إلى الهلاك وتعدهم جهنم وساءت مصيراً ، والقسى ترسل إليهم المنايا في أجنحة السهام ، وقد أحدقت بهم كماة الترك كأنها ظباءٌ بأعلى الرقمتين قيام ، فمن نازعٍ بقوسه وهو لمهج الكافرين منازع ، ومن متدرعٍ بنحره نحو المنايا يسارع ، ومن وادٍ منهل المنية وآخر في إثره كارع ، ومن متدرعٍ وحاسرٍ علماً أن ليس لقضاء الله دافع ، وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ، وما سلك بهم إلا صراطاً مستقيماً ، وما اشترى أنفسهم وأموالهم إلا بالجنة وأعد لهم أجراً كريماً . والسلطان - عز نصره - قد شحذت شبوات عزمه ، وفوق سديد سهمه ليفوز بجزيل سهمه ، وهو يرتب عساكره ، ويهيئ ميامنه ومياسره ، وينفذ أوائله ويقدم أواخره ، ويحث صناديه ، ويثبت رعاديده ، ويسعر همة مساعره ، ويذكي نار الحرب في مجامره ، ويقابل الأبراج ببروجٍ يهدمونها ، ويكل بالنقوب نقباء يحفرونها ، ويعد للمؤمنين مغانم كثيرةً يأخذونها ، ويعد لكل مقامٍ رجلاً ، ويرتب لكل مقاتلٍ من المسلمين قتلاً ، ويبسط لهم بقتل الكافرين آمالا ، حتى قامت الحرب على ساقٍ ، وضاق بأهل الشقاق الخناق ، وبلغت الأرواح منهم التراقي ، ودارت عليهم كؤوس المنايا فانتشى المسقي والساقي ، وأحدقت بهم الجياد تصهل ، وسحب القسى تهطل ، وكواذب الآمال تعدهم وتمطل ، وخرصوا لأنفسهم الفرج فكذبتهم أسنة

الصفحة 150