كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 151 """"""
الخرصان ، ونظروا إلى الحياة بعين الطمع فكحلتهم بنات الحنية المرنان ، فما أشرب العجز نفوسهم ، واستوى في الشورى مرءوسهم ورئيسهم ، ومنوا بالمنايا من كل جانبٍ ، وسمح كلٌ منهم بالمال والذهب مذ علم أنه ذاهب ، وتحققوا أن لا ملجأ من السيف إلا إليه ، ولا معول بعد المعول إلا عليه ، وتيقنوا أن لا مقام لهم ولا مقر ، وقال الكافر يومئذٍ أين المفر . والمسلمون مثابرون على العمل الصالح يرفعونه ، ومبادرون أجل عدوهم يمزقون منه كل ما يرقعونه ، وإذا بصيحةٍ كالصيحة التي تأخذهم وهم ينظرونها ، أو الصعقة التي ينتظرونها ، إذ أمرت السيوف على رقابهم وهم يبصرونها ، فارتجت أرجاء الحصن بالاصطخاب ، ووقع الاختلاف بينهم والاضطراب ، وقيل : إن الكافر قد طلب الأمان ، وإنه ركب ظهر المذلة مذ ناوله الجزع العنان ، وإن الكفر قد ذل للإيمان ، وإن شيطانه قد نكص على عقبه لما تراءت الفئتان ، فأمسكت المجانيق عن ضربها ، وكفت الحنايا عن إرسال شهبها ، وأقصرت ليوث الحرب الضارية عن وثبها . فما كان إلا هنيهةً وقد خرج رسولٌ منهم حيث لا تنفع الرسائل ، واخترق وشيج القنا وشوك النصال وظبا المناصل ، ورأى كثرةً هالته فكادت تنقد تحت الذعر منه المفاصل ، ومشى إلى السلطان خاضعاً وأعيا على السماطين يقوم كلما عوجته الأفاكل .
وأقبل كماً قبل التراب قبله . . . وكل كميٍ واقفٌ متضائل
وأدى الرسالة وإذا هي كما قال أبو الطيب دروع ، ورجع إلى أهله وفي قلبه من جيش الإسلام - كثره الله - صدوع .
فأقبل من أصحابه وهو مرسلٌ . . . وعاد إلى أصحابه وهو عاذل
فأبوا لنصيحته قبولاً ، وقالوا : قاتلك الله رسولا ، لقد خرجت عن سنة إخوانك ، وألقيت إلى المسلمين فاضل عنانك ، ولم ترقب رضا أقستك ورهبانك . والرعب قد خرج به عن قومه وآله ، وهو يناشدكم الله في أموالهم وأنفسهم وينشدهم بلسان

الصفحة 151