كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 152 """"""
حاله :
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى . . . فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد فلما استحكمت مرة عصيانهم ، وأبو مغالاةً إلا في طغيانهم ، ولم يسمحوا بتسليم ذلك الحصن الحصين ، وقالوا : إنه على حفظ أرواحنا لقويٌ أمين ، أرسلت عليهم من المجانيق حجارةٌ كالمطر ، إلا أنها ترمي بشررٍ كالقصر فتهدم قصوراً كالشرر ، فزعزعت منها بروجاً وبدنا ، وقالت : هذا جزاؤكم وإن عدتم عدنا ، ولنتبعن بعدها آثاركم ونقلع منكم قلاعاً ومدنا . فلما أكذبهم الحصن في آمالهم ، وأراهم الله قرب آجالهم ، وكان ذلك في اليوم الأغر يوم الجمعة والفتح ، سلكوا في التسليم عادةً لم يسلكوها ، ورأوا من الجزع خطةً ملكتهم ولم يملكوها ، فأجمعوا أمرهم وشركائهم إ لا أنه كان عيهم غمة ، وطلبوا الذمام ومن قبلها كانوا لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة ، فألقوا إلى الإسلام يومئذٍ السلم ، ورأوا نور الله الظاهر أشهر من نارٍ على علم ، فخرجوا من الحصن زارفاتٍ وأوزاعاً ، مهطعين إلى الداعي كيوم يخرجون من الأجداث سراعاً . فلو تراهم نحو المنايا يركضون ، " كأنهم إلى نصبٍ يوفضون خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلةٌ ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون " .
جرت الرياح على مقر ديارهم . . . فكأنما كانوا على ميعاد
وصدق الله المؤمنين وعده ، وكان بصدق وعده حقيقاً ، " وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً " . فلما كان يوم السبت نادى فيهم السيف بالرحيل ، ولم يتزودوا من متاع الدنيا إلا بقليل ، وقام النصر على منابر الهامات خطيباً ، وكثر القتل فصار المهند الصقيل خضيباً ، وأجرى أوديةً من دمائهم ، ولم يغادر بقيةً من ذمائهم ، واستوى العبيد منهم والأرباب ، وصار فرسانهم فرائس الذئاب ، واستمرءوا المرعى

الصفحة 152