كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
لأحجم من خوفه وما احتجم . وأباد الله الأرمن فحل بالنيل منهم الويل ، وما شمر أحدٌ من الجنود الإسلامية عن ساعدٍ إلا وشمر هو من الذل الذيل ، ولا أثارت الجياد من الخيل عثيراً منعقداً إلا وظنوه مساءً قد أقبل أو ليل . وانتهت نوبة القتل بهم والإسرار إلى التكفور ليفون ملك الأرمن الذي كان يحمي سرحهم ويمرد صرحهم ، ويستنطق هتف التتار ويسترجع صدحهم ، وتعتز طرابلس الشام بأنه خال إبرنسها الكافر ، ولسان مشورته السفير ووجه تدبيره السافر ، وطالما غر وأغرى ، وجر وأجرى ، وضر وأضرى ، فلما توكل مولانا السلطان وعزم وعزم فتوكل ، وتحقق أن البلاء به قد نزل ، وما تشكك أن ذلك في ذهن القدر قد تصور وتشكل ، وأن يومه في الفتك سيكون أعظم من أمسه وأعظم منهما معاداة غده ، وأن نصر الله لن يخلفه صادق موعده ، أكل يده ندامةً على ما فرط في جنب الله ، وساق الحتف لنفسه بيده فعمر الله بروحه الخبيثة الدرك الأسفل من النار ، وسقاه الحتف كأساً بعد كأسٍ لم يكن لها غير الهلك من خمار . وكانت طرابلس هي ضالة الإسلام الشريدة ، وإحدى آبقاته من الأعوام العديدة ، وكلما مرت شمخت بأنفها ، وتأنقت في تحسين منازهها وتزيين ريحانها وعصفها ، ومرت وهي لا تغازل ملكاً بطرفها وكلما تقادم عهدها تكثرت بالأفواج والأمواج من بين يديها ومن خلفها ، إذ البحر لها جلبابٌ والسحاب لها خمار ، وليس بها من البر إلا بمقدار ساحة الباب من الدار ، كأنها في سيف ذلك البحر جبلٌ قد انحط ، أو ميل استواءٍ قد خرج عن الخط ، وما قصد أحدٌ شطها بنكايةٍ إلا شط واشتط ، قدر الله أن صرف مولانا السلطان إليها العنان ، وسبق جيشه إليها كل خبرٍ وليس الخبر كالعيان ، وجاءها بنفسه النفيسة والسعادة قد أحرسته عيونها وتلك المخاوف