كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
صلبةٍ وصلده ، حتى أنجز الله وعده ، وفتحها المسلمون مجازاً وفي الحقيقة فتحها وحده ، وطلعت سناجق الإسلام الصفر على أسوارها ، ودخلت عليهم من أقطارها ، وجاست الكسابة خلال ديارها ، فاحتازها مولانا السلطان لنفسه ملكاً ، وما كان يكون له في فتحها شريكٌ وقد نفا عنها شركاً ، وكما قيل : هذه طرابلس فتحت قال النصر بمن قتل فيها من النجد الواصلة وأكثر عكا وأهل عكا ، وأعاد الله قوة الكفر بها أنكاثاً ، وكان أخذها من مائة سنةٍ وثمانين سنةٍ في يوم الثلاثاء واستردت في يوم الثلاثاء . ولما عمت هذه البشائر ووكل بها مولانا السلطان إلى كل من يستجلي حسان هذه العرائس ، ويستحلي نفيس هذه النفائس ، سير مولانا السلطان إلى مولانا بشرى فقعقع بها البريد ، لتتلى بأمر مولانا على كل من ألقى السمع وهو شهيد ، وكما عم السرور بذلك كل قريبٍ قصد أن يعم الهناء كل بعيد . وأصدر المملوك هذه الخدمة يتحجب بين يدي نجواها ، ويتوئب بعد هذه المفاتحة لكل سانحةٍ يحسن لدى المولى مستقرها ومثواها . لا برح المقام يستبشر لكماة الإسلام بكل فضلٍ ونعمى ، ويفرح لسرح الكفر إذا انتهك ولسفح الملك إذا يحمى ، ولسمع الشرك إذا يصم ولقلبه إذا يصمى . ، وانحطت تلك الجيوش من تلك الجنادل ، انحطاط الأجدال ، واندفعوا في تلك الأوعار اندفاع الأوعال ، ولم يحفل أحدٌ منهم بسربٍ لاصقٍ ولا بجبلٍ شاهقٍ فقال : هذا منخفضٌ أو عال ، وشرعوا في التحصيل لما يوهي ذلك التحصين ، وابتناء كل سورٍ أمام أسوارها من التدبير الحسن والرأي الرصين ، فما لبثوا إلا مقدار ما قيل لهم : دونكم والاحتطاب ، ونقل المجانيق على الخيل وعلى الرقاب ، حتى جروها بأسرع من جر النفس ، وأجروها على الأرض سفائن وكم قالوا : السفينة لا تجري على يبس . وفي الحال نقلت إليها فرأوا من متوقلها من يمشي بها على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ، ووجهت سهامها وجوهها إلى منافذها فما شوهدت منها عينٌ إلا وكان قدامها منها إصبع ، وألقيت العداوة بين الحجارة من المجانيق وبين الحجارة من الأسوار ، فكم نقبت ونقبت من فلذة كبدها عن أسرار ، وأوقدت نيران المكايد ثم فكم حولها من صافنٍ ومن صافر ، وكم رمتهم بشررٍ كالقصر فوقع الحافر كما يقال على الحافر . وما برحت سوق أهل الإيمان في نفاقٍ على أهل النفاق ، وأكابرهم تساق أرواحهم الخبيثة إلى السياق . وكان أهل عكاء قد أنجدوهم من البحر بكل بر ، ورموا الإسلام بكل شررٍ وكل شر ، فكان السهم الذي يخرج منها لا يخرج إلا مقترناً بسهام . وشرفات ذلك الثغر كالثنايا ولكنها لكثرة من بها لا تفتر عن ابتسام ، وما زالت جنود الإسلام كذاك ، ومولانا السلطان لا ترى جماعةٌ مقدمةٌ ولا متقدمةٌ إلا وهو يرى بين أولئك . وأستمر ذلك من مستهل شهر ربيعٍ الأول غلى يوم الثلاثاء رابع شهر ربيعٍ الآخر ، فزحف عليها في بكرة ذلك النهار زحفاً يقتحم كل لهضبةٍ ووهدة ، وكل صلبةٍ وصلده ، حتى أنجز الله وعده ، وفتحها المسلمون مجازاً وفي الحقيقة فتحها وحده ، وطلعت سناجق الإسلام الصفر على أسوارها ، ودخلت عليهم من أقطارها ، وجاست الكسابة خلال ديارها ، فاحتازها مولانا السلطان لنفسه ملكاً ، وما كان يكون له في فتحها شريكٌ وقد نفا عنها شركاً ، وكما قيل : هذه طرابلس فتحت قال النصر بمن قتل فيها من النجد الواصلة وأكثر عكا وأهل عكا ، وأعاد الله قوة الكفر بها أنكاثاً ، وكان أخذها من مائة سنةٍ وثمانين سنةٍ في يوم الثلاثاء واستردت في يوم الثلاثاء . ولما عمت هذه البشائر ووكل بها مولانا السلطان إلى كل من يستجلي حسان هذه العرائس ، ويستحلي نفيس هذه النفائس ، سير مولانا السلطان إلى مولانا بشرى فقعقع بها البريد ، لتتلى بأمر مولانا على كل من ألقى السمع وهو شهيد ، وكما عم السرور بذلك كل قريبٍ قصد أن يعم الهناء كل بعيد . وأصدر المملوك هذه الخدمة يتحجب بين يدي نجواها ، ويتوئب بعد هذه المفاتحة لكل سانحةٍ يحسن لدى المولى مستقرها ومثواها . لا برح المقام يستبشر لكماة الإسلام بكل فضلٍ ونعمى ، ويفرح لسرح الكفر إذا انتهك ولسفح الملك إذا يحمى ، ولسمع الشرك إذا يصم ولقلبه إذا يصمى . وكتب المولى محي الدين أيضاً عن نفسه مطالعةً إلى السلطان الملك المنصور يهنئه بهذا الفتح :
هنئت يا ملك البسيطة . . . فتحاً به النعمى محيطه
وبقيت يا خير الملو . . . ك بسيفك الدنيا محوطه
يقبل الأرض ويبتهل إلى دعاءٍ صالحٍ يقدمه بين يدي بشره وبشراه ، وكل مقامٍ محمودٍ من الإجابة يحوله في سره ونجواه ، ويهنئ بهذا الفتح الذي كم مضى ملكٌ وفي قلبه منه حسرة ، وما ادخر الله إلا لمولانا السلطان أجره وفخره . فالحمد لله على هذا النصر العزيز وهذا الفتح المبين ، والظفر الذي أعطاه الله إياه في شهرٍ وقد أقامت جموع الكفر حتى حازت بعضه في مدة سبع سنين . وله الشكر على أن جعل الكفر