كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 159 """"""
أمثال البحار عدداً وعديدا . المملوك يقبل اليد العالية التي لها من هذه النصرة وإن لم تبلغها أجر الرامي المسدد سهمه ، المعجل من التهاني غنمه ، الموفر من المحامد الجزيلة قسمه ، ويهنئ المولى بهذا الفتح الذي مد الله به على الأمة جناح رحمته وفضله ، ومن على أيامنا الزاهرة فيه بالشام وأهله ، وبرز فيه الإسلام كله للشرك كله . ولله الحمد الذي أعز دينه ونصره ، وحصد بسيوف الإسلام عدو دينه بعد أن حصره ، وأباد جيوش الشرك وهم مائة ألفٍ أو يزيدون ، وأفنى أحزاب أهل الكفر وكانوا أمثال الرمال لا يعدون ، وينهي أن علمه الكريم قد أحاط بما كان من أمر هذا العدو المخذول ودخوله إلى البلاد المحروسة بجيوشه وكتائبه وجموعه وجنوده من أشياع أهل الكفر وأحزاب الشرك . ولما تواصلت الأخبار بقربه ، واستعداده بحزبه ، ومهاجمته البلاد ، وإيقاع الرعب في قلوب أهلها بالتنوع في الفساد ، ساق الركاب الشريف في طلبه يطوي المراحل ، ويقطع في كل يومٍ منزلتين بل منازل . ولما حل الركاب الشريف بمرج الصفر على مرحلةٍ من دمشق المحروسة في يوم السبت مستهل شهر رمضان المعظم زينت العساكر المنصورة للقاء حال وصولها ، واستعدت للحرب دون تشاغلٍ بأسباب نزولها ، فوافى العدو المخذول في مائة ألفٍ من جيوشٍ تسيل كالرمال ، وتعلو الجبال بأشد من الجبال ، وحين وصلوا حملوا على الميمنة بجملتهم ، وقصدوا إزاحتها عن موقفها بحملتهم ، فتلقتهم الجيوش المنصورة بنفوسٍ قد بايعت الله على لقاء عدو الله وعدوها ، ووثقت بما اعد الله لها من الجزاء في رواحها في سبيله وغدوها ، وصدمتهم صدمةٍ كسرت حدهم ، وأوهنت شدتهم وشدهم ، وأزالت طمعهم ، وأبانت ظلعهم ، وسالت عليهم الجيوش المنصورة من كل جانبٍ ، وحميت الحرب بين الكتائب الإسلامية وبين تلك الكتائب ، ودخل الليل ونار الحرب تشتعل ، والجياد من المحاجر تحفى وبالجماجم تنتعل ، فأووا إلى جبالٍ واعتصموا بهضابها ، واحتموا بتوعر مسالكها وضيق عقابها ، وأحاطت بهم الجيوش المنصورة لحوسهم لا لحفظهم ، وتضم أطرافهم لا لحبهم بل لبغضهم ، فكانوا -

الصفحة 159