كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 160 """"""
بعد كثرة من قتل منهم في المعركة الأولى أو فر من أول الليل - جمعاً يناهز الأربعين ألف فارسٍ ، فاصبحوا يعاودون القتال ، وينزلون إلى أطراف الجبال للنزال ، والجيوش المنصورة تلزمهم من كل جانب ، وتحكم في أبطالهم القنا والقواضب . وجرت في أثناء ذلك حملات ظهر في كلٍ منها خسارهم ، وشهد عندهم بما يكابدون قتلهم وإسارهم ، وبعد ذلك نزلوا من جانبٍ واحدٍ يطلبون الفرار ، ويتوقعون القتل إن تعذر الإسار ، فساقت خلفهم الجيوش المنصورة تتخطفهم رماحها ، وتتلقفهم صفاحها ، وتقاذفت بمن نجا من الفلوات ، وغرقتهم أمواج السراب قبل أمواج الفرات ، فأخذوا قنصاً باليد من بطون الأودية ورءوس الشعاب ، ولم يحصل أحدٌ منهم على الغنيمة بالإياب ، وقتل أكثر مقدمي التمانات وفر كبيرهم وأنى له الفرار ، وبين يديه مفاوز إن سلك منها تناولته بأرماحٍ من العطش القفار . فيأخذ المولى حظه من هذه البشرى التي تنبئ عن الفتح العظيم والفضل العميم ، والنصرة التي حفظ الله بها على الإسلام البلاد والثغور والأموال والحريم ، ويكتب إلى البلاد بمضمونها ، ويسر قلوب أهل الثغور بمكنونها ، ويستنهض المولى الأمة لشكر الله عليها ، ومن ذا الذي يقوم بشكر ذلك ويعرفهم مواقع هذه النصرة التي أنجد الله فيها الإسلام بالملائك ، ويتقدم أمره بضرب البشائر بكل مكان ، ويشهر في جميع الثغور أن عدو الله وعدو الإسلام دخل في خبر كان ، وأن الله تعالى كسر جيوش التتار كسراً لا يجبر صدعه ، ولا يتأتى إن شاء الله جمعه . و الله تعالى يسمعه من التهاني كل ما يسر الإسلام وأهله ، ويشكر قوله في مصالح الإسلام وفعله ، إن شاء الله تعالى .
الباب الثاني من القسم الرابع من الفن الثاني في المراثي والنوادب
والمراثي إنما جعلت تسليةً لمن عضته النوائب بأنيابها ، وفرقت الحوادث بين نفسه وأحبابها ، وتأسيةً لمن سبق إلى هذا المصرع ، ونهل من هذا المشرع ، ووثوقاً باللحاق بالماضي ، وعلماً أن حادثة الموت من الديون التي لابد لها من

الصفحة 160