كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
التقاضي ، وأنه لا سبيل إلى الخلود والبقاء ، ولا بد لكل نفسٍ من الذهاب ولكل جسدٍ من الفناء . قال الله تعالى في محكم تنزيله مخاطبةً لرسوله : " وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخالدون كل نفسٍ ذائقةٌ الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون " . فليرض من فجع بخليله وشقيقه ، وصاحبه وصديقه ، وأهله وولده ، وجمعه وعدده ، وماله ومدده ، نفسه الجامحة في ميادين أسفها وبكائها ، الجانحة إلى طلب دوائها من مظان أدوائها ، بزمام الصبر الجميل ، لينال الأجر الكريم والثواب الجزيل ، فقد أثنى الله تعالى على قومٍ بقوله : " والصابرين على ما أصابهم " ، وقال تعالى إخباراً عن لقمان في وصيته لابنه : " واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " . وليسترجع من أصابته مصيبةٌ أو نزلت به بلية ، وطرقته حادثةٌ أو لمت به رزية ، لما جعل الله تعالى للمسترجع بفضله ومنته ، من صلاته عليه ورحمته ، قال الله عز وجل : " الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون " . وليتأس الفاقد برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقد جعل الله فيه أسوةً حسنةً لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ، وليقتد بأصحابه رضي الله عنهم ليفوز بثواب الصابر ويحوز أجر الشاكر .
وباب الرثاء فهو بابٌ فسيح الرحاب والنوادي ، فصيح اللسان في إجابة المنادي ذي القلب الصادي ، متباين الأسلوب ، مختلف الأطراف متباعد الشعوب ، منه ما يصمى القلوب بنباله ، ومنه ما يسليها بلطيف مقاله ، ومنه ما يبعثها على الأسف ، ومنه ما يصرفها عن موارد التلف . وقد أكثر الشعراء القول في هذا الباب ، وارتقوا الذروة العلياء من هذه الهضاب ، ووجدوا مكان القول ذا سعةٍ فقالوا ، وأصابهم هجير اللوعة فمالوا إلى ظله وقالوا . قال الأصمعي : قلت لأعرابيٍ : ما بال المراثي أشرف أشعاركم ؟ قال : لأنا نقولها وقلوبنا محترقةٌ . معلى الجملة فالموت هو المصيبة التي لا تدفع ، والزرية التي لا ترد بكثرة الجموع ولا تمنع ، والحادثة التي لا تنصرف بالفداء وإن جل مقداره ، والنازلة التي لا تتأخر عن وقتها بالدعاء