كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 162 """"""
وإن عظمت في غيرها آثاره ، وهو أبعد الأربعة التي فرغ منها ، وصرفت وجوه المطامع عنها . وقد قالت الحكماء : أعظم المصائب كلها انقطاع الرجاء . وقالوا : كل شيءٍ يبدو صغيراً ثم يعظم إلا المصيبة فإنها تبدو عظيمةً ثم تصغر . وقالوا : لا يكون البكاء إلا من فضل ، فإذا اشتد الحزن ذهب البكاء . قال الشاعر :
فلئن بكيناه لحق لنا . . . ولئن تركنا ذاك للصبر
فلمثله جرت العيون دماً . . . ولمثله جمدت فلم تجر
وقيل : مر الأحنف بامرأةٍ تبكي ميتاً ورجلٌ ينهاها ، فقال : دعها فإنها تندب عهداً وسفراً بعيداً . وقيل لأعرابيةٍ مات ابنها : ما أحسن عزاءك ؟ قالت : إن فقدي إياه آمنني كل فقدٍ سواه ، وإن مصيبتي به هونت علي المصائب بعده ، ثم أنشأت تقول :
كنت السواد لمقلتي . . . فعمى عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت . . . فعليك كنت أحاذر
ليت المنازل والديا . . . ر حفائرٌ ومقابر
إني وغيري لا محا . . . لة حيث صرت لصائر
وقد نقل أبو الفرج الأصفهاني : أن بعض هذا الشعر لإبراهيم بن العباس بن محمدٍ بن صولٍ يرثي ابناً له فقال :
أنت السواد لمقلةٍ . . . تبكي عليك وناظر
من شاء بعدك فليمت . . . فعليك كنت أحاذر
ولم يزد على هذين البيتين شيئاً . أخذ الحسن بن هانئ معنى البيت الأول فقال في الأمين :
طوى الموت ما بيني وبين محمدٍ . . . وليس لما تطوي المنية ناشر

الصفحة 162