كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 163 """"""
وكنت عليه أحذر الموت وحده . . . فلم يبق لي شيءٌ عله أحاذر
لئن عمرت دوراً بمن لا نحبه . . . لقد عمرت ممن نحب المقابر وقيل : من أحسن ما قيل في التعازي أن أعرابياً مات له ثلاثة بنينٍ في يومٍ واحدٍ فدفنهم وعاد إلى مجلسه ، فجعل يتحدث كان لم يفقد أحداً ، فليم على ذلك ، فقال : ليسوا في الموت ببديع ، ولا أنا في المصيبة بأوحد ، ولا جدوى للجزع ، فعلام تلومونني ، وهذه ثلاثة الأقسام لا رابع لها . وعزى أعرابيٌ رجلٌ فقال : لما دفن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها تمثل على قبرها بهذين البيتين :
لكل اجتماعٍ من خليلين فرقةٌ . . . وكل الذي دون الممات قليل
وغن افتقادي واحداً بعد واحدٍ . . . دليلٌ على ألا يدوم خليل
وعزى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأشعث بن قيس عن ابنه فقال : إن تحزن فقد استحقت ذلك منك الرحم ، وغن تصبر ففي الله خلفٌ من كل هالك ، مع انك إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت موزور ، سرك الله وهو بلاءٌ وفتنةٌ ، وحزنك وهو ثوابٌ ورحمةٌ .
وعزى أكثم بن صيفي حكيم العرب عمرو بن هند الملك عن أخيه فقال : أيها الملك ، إن أهل هذه الدار سفرٌ لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها ، وقد أتاك ما ليس بمردودٍ عنك ، وارتحل عنك ما ليس براجعٍ إليك ، وأقام معك من سيظعن ويدعك ، فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم للقادر وقد مضت لنا أصولٌ نحن فروعها ، فما بقاء الفرع بعد أصله واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف منها ، وخيرٌ من الخير معطيه ، وشرق من الشر فاعله .

الصفحة 163