كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 166 """"""
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً " ، وقد ظلمنا أنفسنا وجئناك فاستغفر لنا ، فما بقيت عينٌ إلا سالت .
ودخل عمر بن الخطاب على أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما في مرض موته ، فقال : يا خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، لقد كلفت القوم بعدك تعباً ، ووليتهم نصباً ، فهيهات من شق غبارك وكيف باللحاق بك .
وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأبوها يغمض :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه . . . ثمال اليتامى عصمةٌ للأرامل
فنظر إليها وقال : ذاك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . ثم أغمي عليه ، فقالت :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى . . . إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فنظر إليها كالغضبان وقال : قولي : " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " . ثم قال : انظروا ملاءتي فاغسلوهما وكفنوني فيهما ، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت . ووقفت رضي الله عنها على قبره رضي الله عنه فقالت : نضر الله وجهك ، وشكر لك صالح سعيك ، فقد كنت للدنيا مذلاً عنها بإدبارك عنها ، وكنت للآخرة معزاً بإقبالك عليها ، ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رزءك ، وأعظم المصائب بعده فقدك ، إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر فيك وحسن العوض منك ، فإنا لنتنجز موعود الله بحسن العزاء عليك ، واستعيضه منك بالاستغفار لك . أما لئن كانوا أقاموا بأمور الدنيا لقد قمت بأمر الدين حين وهى شعبه ، وتفاقم صدعه ، ورجفت جوانبه . فعليك السلام ورحمة الله توديع غير قاليةٍ لك ، ولا زاريةٍ على القضاء فيك . ثم انصرفت .
ولما قبض رضي الله عنه سجي عليه بالثوب ، فارتجت المدينة بالبكاء ودهش القوم كيوم قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وجاء علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه باكياً مسرعاً مسترجعاً حتى وقف بالباب وهو يقول : رحمك الله يا أبا بكر ، كنت والله أول القوم

الصفحة 166