كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
إسلاماً ، وأخلصهم إيماناً ، وأشدهم يقيناً ، وأعظمهم غناءً ، وأحفظهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأحدبهم على الإسلام ، وأحناهم على أهله ، وأشبههم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خلقاً وفضلاً وهدياً وسمتاً ، فجزاك الله عن الإسلام وعن الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خيراً ، صدقت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين كذبه الناس ، وواسيته حين بخلوا ، وقمت معه حين قعدوا ، وأسماك الله في كتابه صديقاً فقال : " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " ، يريد محمداً ويريدك . كنت والله للإسلام حصناً وعلى الكافرين عذاباً ، ولم تفلل حجتك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك . كنت كالجبل الذي لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف . كنت كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ضعيفاً في بدنك ، قوياً في أمر الله ، متواضعاً في نفسك ، عظيماً عند الله جليلاً في الأرض ، كبيراً عند المؤمنين . لم يكن لأحدٍ عندك مطمعٌ ولا لأجد عندك هوادة ، فالقوي عندك ضعيفٌ حتى تأخذ الحق منه ، والضعيف عنك قويٌ حتى تأخذ الحق له . فلا حرمنا الله أجرك ، ولا أضلنا بعدك .
فانظر إلى هذا الأسلوب العجيب ، وتأمل هذا النمط الغريب ، الذي جمع بين سلاسة الألفاظ وإيجازها ، وإصابة المعنى وإعجازها . ولا يستكثر على من أنزل القرآن بلغتهم ، أن يكون هذا القول من بديهتهم .
ولنذكر لمعةً من رسائل البلغاء والفضلاء ، ولمحةً من أشعار الأدباء والشعراء . فمن ذلك رسالةٌ كتبها الوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم محمد بن عبد الله بن الجد ، إلى الوزير الفقيه أبي القاسم الهوريني يعزيه عن أخيه ، ابتدأها بأن قال :
لابد من فقدٍ ومن فاقدٍ . . . هيهات ما في الناس من خالد
كن المعزى لا المعزى به . . . إن كان لا بد من الواحد إذا لم يكن بدٌ من ترجع الحمام ، وتشتت النظام ، وانصداع شمل الكرام ، فمن الاتفاق السعيد والقدر الحميد أن يرث أعمار البنية الكريمة مشيد علاها ، وتسلم