كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 170 """"""
والسريرة التي طالما صنتها أن تمر بسرائري ، شفقاً عليها من سهام دهرٍ بالذخائر مولعةً ، وستراً لها من عين الزمان على السرائر موقعة . ولئن صحب قلبي بعد أضلعي ، وتحملت بعد فقده على ظلعي ، فإنا غداً على أثره ، وإن كنا اليوم على خبره . وقصر الحياة إلى قصور ، كما أن محصول غرورها غرور . والتأدب بأدب الله أولى ما خفف به المسلوب عن مناكبه ، وطريق السلوان لابد أن يراجعه عزم منكبه . فأنشدها الله إلا جعلت مصيبتها مصيبةً على الشامت بما تلبسه من صبرٍ يلبس عليه المصيبة فيشبهها بنعمة ، وبما تستشعره من تجلدٍ في النازلة ينزل عليها صلواتٍ من ربها ورحمة . ولن ترى أعجب من مصابٍ لا ترى به إلا مصاباً ، وساكن تربٍ لم يبق بعده إلا من سقى بدمعه تراباً ، اشترك فيه الأمتان العرب والعجم ، وعزي به العزيزان المجد والكرم ، واستباح الدهر به الصيد في الحرم . وتشابه به الباكون فلم يبن . . . دمع المحق لنا من المتعمل
وكتب أيضاً في مثل ذلك : أخرت مكاتبة الحضرة - مد الله في عمرها في صبرها وفي أجرها ، وألهمها التسليم لحكم من هو غلبٌ على أمرها - إلى أن تنقضي نبوة الخطب ، وتضع الأنفاس أوزارها للحرب ، ويخرج ماء الجفن نار القلب ، وتراجع الخواطر إلى عاداتها ، وتنظر في الدنيا التي ما صبحت إلا على عادياتها ومعاداتها ، فتكون الحضرة عرفت من غير تعريف ، ووقفت على الحزم من غير توقيف ، وتوفر عليها الثواب من غير مشاركٍ ورجعت إلى فهمٍ مدركٍ وصوابٍ مدارك . وتأخير التعزية عن البادرة خلاف ما شرع فيه ، ولكن إنما يحتاج أن يثبت من صبره هاف ، ويرم من تجلده عاف . وقد علم الله اهتمامي واغتنامي بفقد شيخها رحمه الله وعدمها منه من لا عوض منه إلا ثواب الله الذي يهون الوقائع ، ويوطن على الروائع . وأسباب التعزية غير واحدة ، منها أنه إنما درج في السن التي هي معترك المنايا ، ومنها أنه ما خرج عن الدنيا إلى أن رأى منها خلفاً يهون الرزايا ، ومنها أنه لقي الله بعملٍ صالحٍ هو بمشيئة الله نجاته ، ومنها أنه فارقها على الرضا عنها ويكفيها مرضاته ، وعلى الدعاء المقبول لها ونعمت الجنن دعواته .

الصفحة 170