كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 173 """"""
ولا سلبه الجزع رداء الصبر الذي لا يخصه بجزيل الأجر وإن شركه في الأسى والأسف كلٌ منا .
المملوك يقبل اليد الكريمة ، ويهنئ أنه اتصل به النبأ الذي صدع قلبه ، وشغل بالبكاء طرفه وبالأسف لسانه وبالحزن لبه ، وهو ما قدره الله تعالى من وفاة المولى الأمير ركن الدين عمر - تغمده الله برضوانه - الذي اختار الله له ما لديه ، وارتضى له البقاء الدائم على الفاني فنقله إليه ، على أن الدين فقد منه ركناً شديداً ، ورأياً سديداً ، وعزماً وحزماً معيناً مفيداً ، وأميراً أردنا أن يعيش سعيداً ، فأبى الله إلا أن يموت شهيداً ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . لقد كان للرجاء في اعتضاد الدولة القاهرة به أي مجال ، وللآمال في الانتظار ببأسه ظنونٌ تحقق أن الغلبة للدين دائماً مع أن الحروب سجال ، وللمواكب بطلوع طلعته أي إشراق ، وللعيون عن مشاهدة كماله وأبهة جلاله أي إغضاءٍ ورأي إطراق . ولله أي بدرٍ هوى من أفق بروجه عن فلك ، وأي شمسٍ ما رأته الجواري الكنس إلا قلن : حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك ، وأي حصنٍ كانت منه ثمار الشجاعة تجتنى ، وأي أسدٍ براثنه الصوارم وأجماته القنا . لقد فت في عضد الدين مصابه ، وأذهب صحة الأنس به وحلاوة وجوده أوصاب فقده وصابه ، وكادت الصوارم أن تشق عليه غمودها ، والرايات أن تقطع عليه ذوائبها وتغير بنودها ، والرماح أن تعرض على النار لتقصف لا لتثقف قدودها ، والجياد أن تتعثر للحزن بذيولها ، وتعتاض بالنوح عن صهيلها . ولو أنصف لأكنته القلوب في ضمائرها ، ولو قبل الفداء لسمحت فيه النفوس بالنفائس ولو كانت الحياة من ذخائرها ، أو لو كان الحتف مما يدافع بالجنود تحطمت دونه القنا في دروع عساكرها ، ولكنه السبيل الذي لا

الصفحة 173