كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 174 """"""
محيد عن طريقه ، والمعرس الذي لابد لكل حيٍ من النزول على فريقه ، وهو الغاية التي تستن إليها النفوس استنان الجياد ، والحلبة التي كنا نحن وهذا الدارج نركض إليها ولكن السابق كان الجواد ، على أن المتأخر لابد له من اللحاق ، وماذا عسى يسر البدر بكماله وهو يعلم أن وراءه المحاق وفي رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يعلم أن كل رزءٍ بعده جلل ، وإذا انتقل العبد إلى الله تعالى غير مفتونٍ في دينه ولا مثقل الظهر من الأوزار حمد في غدٍ ما فعل ، وغبط بقدومه على أكرم الأكرمين مسروراً ، ولقي الله وقد جعل في قلبه نوراً وفي سمعه نوراً وفي بصره نوراً . والمولى أعزه الله تعالى أولى من تلقى أمر الله بالتسليم والرضا ، وقابل أقداره بأن الخيرة فيما قدر وقضى ، وحمد الله على ما وهب من بقاء إخوته الذين فيهم أعظم خلف ، وأجمل عوضٌ يقال به للدهر الذي اعتذر بدوام المسرة فيهم : عفا الله عما سلف ، وعلم أن الخطب الذي هد ركن الدين باحترابه واجتراحه ، قد صرفه إلى الأمد عن الإلمام بساحة شهابه والتعرض إلى حمى فخره والنظر إلى حي صلاحه ، ففي بقائهم ما يرغم العدا ، ويعز حزب الهدى ، ويقيم كلاً منهم في خدمة الدولة القاهرة بين يدي المولى مقام الشبل المنتمي للأسد ، وينهضهم من مصالح الإسلام مع ما يعلمه منهم من حسن الثبات من الوالد وسرعة الوثبات من الولد . والله تعالى يجزل له من الأجر أوفاه ، ويحفظ عليه - وقد فعل - أخراه ، ويجعله للإسلام ذخراً ، ولا يسمعه مع طول البقاء بعدها تعزيةً أخرى .
ومن أحسن الرثاء وأشجاه ما نطقت به الخنساء في رثائها لأخيها صخر ، فمن ذلك قولها :
ألا يا صخر إن أبكيت عيني . . . لقد أضحكتني دهراً طويلاً

الصفحة 174