كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
يلاحظهما . فأطلنا وأطلن حتى تفرق الناس ، وانصرفن وانصرفنا وقد أبقت بقلبي جرحاً بطيئاً اندماله ، فعدت إلى منزلي وأنا وقيذ ، وخرجت من الغد إلى العقيق وليس به أحدٌ فلم أر لها ولا لصواحبها أثراً ، ثم جعلت أتتبعها في طرق المدينة وأسواقها ، وكأن الأرض أضمرتها فلم أحس لها بعينٍ ولا أثر ، وسقمت حتى أيس مني أهلي . وخلت بي ظئري فاستعلمتني حالي وضمنت لي كتمانها والسعي فيما أحبه منها ، فأخبرتها بقصتي ، فالت : لا بأس عليك ، هذه أيام الربيع وهذه سنة خصبٍ وأنواءٍ وليس يبعد عنك المطر ، ثم هذا العقيق فتخرج حينئذٍ وأخرج معك فإن النسوة سيجئن ، فإذا فعلن ورأيتها اتبعها حتى أعرف موضعها ثم أصل بينك وبينها وأسعى لك في تزويجها . فكأن نفسي اطمأنت إلى ذلك ووثقت به وسكنت إليه ، فقويت وطعمت وتراجعت إلى نفسي . وجاء مطرٌ بعقب ذلك وسال العقيق وخرج الناس وخرجت مع إخواني إليه ، فجلسنا مجلسنا الأول بعينه ، فما كنا والنسوة إلا كفرسي رهان ، فأومأت إلى ظئري فجلست ، وأقبلت على إخواني فقلت : لقد أحسن القائل :
رمتني بسهمٍ أقصد القلب وانثنت . . . وقد غادرت جرحاً به وندوبا
فأقبلت على صواحباتها وقالت : أحسن والله القائل ، وأحسن من أجابه حيث يقول :
بنا مثل ما تشكو فصبراً لعلنا . . . نرى فرجاً يشفي السقام قريباً فسكت عن الجواب خوفاً من أن يظهر مني ما يفضحني وإياها ، وعرفت ما أرادت . ثم تفرق الناس وانصرفنا ، وتبعتها ظئري حتى عرفت منزلها ، وصارت إلي فأخذت بيدي ومضينا إليها ، فلم نتلطف حتى وصلت إليها ، فتلاقينا وتزاورنا على حالٍ مخالسةٍ ومراقبةٍ ، حتى شاع حديثي وحديثها وظهر ما بيني وبينها ، فحجبها أهلها