كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
وسدوا أبوابها ، فما زلت أجهد في لقائها فلا أقدر عليه ، وشكوت ذلك إلى أبي لشدة ما نالني وسألته خطبتها لي . فمضى أبي ومشيخة أهلي إلى أبيها فخطبوها ، فقال : لو كان بدأ بهذا قبل أن يفضحها ويشهرها لأسعفته بما التمس ، ولكنه قد فضحها فلم أكن لأحقق قول الناس فيها بتزويجه إياها ، فانصرفت على يأسٍ منها ومن نفسي . قال معبد : فسألته أن ينزل بجواري ، وصارت بيننا عشرة . ثم جلس جعفر بن يحيى ليشرب فأتيته ، فكان أول صوتٍ غنيته صوتي في شعر الفتى ، فشرب وطرب عليه طرباً شديداً ، وقال : ويحك إن لهذا الصوت حديثاً فما هو ؟ فحدثته ، فأمر بإحضار الفتى فأحضر من وقته ، واستعاده الحديث فأعاده ، فقال : هي في ذمتي حتى أزوجك إياها ، فطابت نفسه وأقام معنا ليلتنا حتى أصبح ، وغدا جعفر إلى الرشيد فحدثه الحديث ، فعجب منه وأمر بإحضارنا جميعاً فأحضرنا ، وأمر بأن أغنيه الصوت فغنيته إياه وشرب عليه وسمع حديث الفتى ، فأمر من وقته بكتابٍ إلى عامل الحجاز بإشخاص الرجل وابنته وجميع أهله إلى حضرته ، فلم تمض إلا مسافة الطريق حتى أحضروا . فأمر الرشيد بإحضار أبي الجارية إليه فأحضر ، وخطب إليه الجارية للفتى وأقسم عليه ألا يخالف أمره ، فأجابه وزوجها إياه ، وحمل إليه الرشيد ألف دينارٍ لجهازها وألف دينارٍ لنفقة طريقه ، وأمر للفتى بألف دينارٍ ولي بألف دينار ، وأمر جعفرٌ لي وللفتى بألف دينار . وكان المديني بعد ذلك من ندماء جعفر بن يحيى .
ذكر أخبار محمد الرف
هو محمد بن عمرو مولى بني تميم ، كوفي المولد والمنشأ . والرف لقبٌ غلب عليه . وكان مغنياً ضارباً صالح الصنعة مليح النادرة . وكان أسرع خلق الله أخذاً للغناء وأصحهم أداءً له وأذكاهم . وكان إذا سمع الصوت مرتين أو ثلاثاً أداه لا يكون بينه وبين من أخذه عنه فرقٌ فيه . وكان متعصباً على ابن جامع مائلاً إلى إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق ، وكانا يرفعان منه ويقدمانه ويأخذان له الصلات من الخلفاء . وكانت فيه عربدةٌ إذا سكر . فعربد بحضرة الرشيد مرةً ، فأمر بإخراجه ومنعه من الدخول إليه

الصفحة 19