كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
وجفاه وتناساه . قال أبو الفرج : وأحسبه مات في خلافته أو خلافة الأمين . ومن أخباره في جودة الأخذ وسرعة الحفظ ما رواه حماد بن إسحاق عن أبيه قال : غنى ابن جامع يوماً بحضرة الرشيد :
جسورٌ على هجري جبانٌ عن الوصل . . . كذوب عداتٍ يتبع الوعد بالمطل
مقدم رجلٍ في الوصال مؤخرٌ . . . لأخرى يشوب الجد في ذاك بالهزل
يهم بنا حتى إذا قلت قددنا . . . وجاذبني عطفاه مال إلى البخل
يزيد امتناعاً كلما زدت صبوةً . . . وأزداد حرصاً كلما ضن بالبذل
فأحسن فيه ما شاء وأجمل ، فغمزت عليه محمد الرف وفطن لما أردت ، واستحسنه الرشيد وشرب عليه واستعاده مرتين أو ثلاثاً . ثم قمت إلى الصلاة وغمزت الرف فجاءني ، وأومأت إلى مخارق وعلويه وعقيد فجاءوني ، فأمرته بإعادة الصوت فأعاده وأداه كأنه لم يزل يرويه ، ولم يزل يكرره على الجماعة حتى غنوه . ثم عدت إلى المجلس ، فلما انتهى الدور إلي ابتدأت فغنيته قبل كلٍ شيءٍ غنيته . فنظر إلى ابن الجامع محدداً طرفه ، وأقبل علي الرشيد وقال : أكنت تروي هذا الصوت ؟ قلت : نعم يا سيدي . فقال ابن الجامع : كذب والله ما أخذه إلا مني الساعة . فقلت : هذا صوتٌ أرويه قديماً ، وما فيمن حضر أحدٌ إلا وقد أخذه مني . وأقبلت عليهم فقلت لهم : غنوه ، فغناه علويه ثم عقيد ثم مخارق . فوثب ابن جامع فجلس بين يديه فحلف بحياته وبطلاق امرأته أن اللحن صنعه منذ ثلاث ليالٍ وما سمع به قبل ذلك الوقت . فأقبل الرشيد علي وقال : بحياتي اصدقني عن القصة ، فصدقته ، فجعل يضحك ويصفق ويقول : لكل شيء آفةٌ ، وآفة ابن جامع الرف .