كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
قال إسحاق بن إبراهيم : كان محمد الرف أروى خلق الله تعالى للغناء وأسرعهم أخذاً لما سمعه ، ليست عليه في ذلك كلفة ، إنما يسمع الصوت مرةً واحدةً وقد أخذه . وكنا معه في بلاء إذا حضر ، فكان كل من غنى منا صوتاً فسأله عدوٌ له أو صديق بأن يلقيه عليه فبخل ومنعه إياه وسأل محمد الرف أن يأخذه فما هو إلا أن يسمعه مرةً واحدةً حتى أخذه وألقاه على من سأله . قال : وكان أبي يبره ويصله ويجديه من كل جائزةٍ وفائدةٍ تصل إليه . وكان محمد الرف مغرًى بابن جامع خاصةً من بين المغنين لبخله ، وكان لا يفتح ابن جامع فاه بصوت إلا وضع عينيه عليه أصغى بسمعه عليه حتى يحكيه . وكان في ابن جامع بخلٌ شديدٌ لا يقدر معه على أن يسعفه ببرٍ ورفد . وساق نحو ما تقدم إلا أنه قال : إن الرف أخذ الصوت لأول مرةٍ وألقاه على إسحاق فأخذه عنه في ثلاث مرار ؟ قال حماد : وللرف صنعة يسيرة ، وذكر منها أصواتاً .
ذكر أخبار محمد بن الأشعث
قال أبو الفرج : كان محمد بن الأشعث القرشي ثم الزهري كاتباً ، وكان من فتيان أهل الكوفة وظرفائهم ، وكان يقول الشعر ويغني فيه . فمن ذلك قوله في سلامة زرقاء بن رامين :
أمسى لسلامة الزرقاء في كبدي . . . صدعٌ يقيم طوال الدهر والأبد
لا يستطيع صناع القوم يشعبه . . . وكيف يشعب صدع الحب في الكبد
إلا بوصل التي من حبها انصدعت . . . تلك الصدوع من الأسقام والكمد
وكان ملازماً لابن رامين ولجاريته سلامة الزرقاء ، فشهر بذلك ، فلامه قومه في فعله فلم يحفل بمقالتهم ، وطال ذلك منه ومنهم ، حتى رأى بعض ما يكره في منزل ابن رامين ، فمال إلى سحيقة جارية زريق ابن منيح مولى عيسى بن موسى ، وكان زريق شيخاً كريماً نبيلاً ، يجتمع إليه أشراف أهل الكوفة من كل حيٍ ، وكان الغالب على منزله رجلاً من ولد القاسم بن عبد الغفار العجلي كغلبة