كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
من الآفات عليه ، إلى مودع الله الذي يحفظه إلى أن يأتيه به أحوج من كان إليه ، والحمد لله الذي جعل مصائبنا في الدنيا فوائدنا في الأخرى ، ثم الحمد لله الذي جعل البادرة للعدوان والعاقبة للتقوى . وقد علم الله أني مقاسمه ومساهمه ، ومضمرٌ من الهم بما اتفق من هذا المقدور ما مقدره عالمه ، غير أنه لا حيلة لمن لا حيلة له إلا الصبر ، وإن صبر جرى عليه القدر وجرى له الأجر ، وإن لم يصبر جرى عليه القدر وكتب عليه الوزر ، وكل ما ذهب من صاحبه قبل أن يذهب صاحبه فقد أنعم الله عليه ، حيث أخرج ما في يديه وأبقى يديه ، والمال غادٍ ورائح ، والمال بالحقيقة هو العمل الصالح ، وإن اجتمع موصلها بحضرته فهو ينهى ما عندي ، ويؤدي حقيقة ودي ، ورأيه الموفق .
وقال أبو المظفر الأبيوردي لما استولى الإفرنج على البيت المقدس في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائةٍ قصيدةً منها :
مزجنا دماءً بالدموع السواجم . . . فلم يبق منا عرضةً للمراجم
وشر سلاح المرء دمعٌ يفيضه . . . إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فإيهاً بني الإسلام إن وراءكم . . . وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمةً في ظل أمنٍ وغبطةً . . . وعيشٍ كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملئ جفونها . . . على هبواتٍ أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم . . . ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
يسومهم الروم الهوان وأنتم . . . تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماءٍ قد أبيحت ، ومن دمًى . . . تواري حيائها حسنها بالمعاصم