كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
أشربة الجنة ، وترك التمتع بالسراري والنسوان طمعاً في الحور العين ، وترك التفرج في البساتين طمعاً في بساتين الجنة وأشجارها ، وترك التزين والتجمل بزينة الدنيا طمعاً في زينة الجنة ، وترك المطاعم اللذيذة طمعاً في فواكه الجنة وخوفاً من أن يقال له : " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " فآثر في جميع ذلك ما وعد به في الجنة على ما تيسر له في الدنيا عفواً وصفواً ، لعلمه بأن ما في الآخرة خيرٌ وأبقى ، وما سوى هذه فعلاماتٌ دنيويةٌ لا جدوى لها في الآخرة أصلاً . وحيث قدمنا هذه المقدمة من أحوال الزهد في الحال والعلم فلنذكر بيان فضيلة الزهد وذم الدنيا .
ذكر فضيلة الزهد وبغض الدنيا
قال الله تعالى : " فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيم ، وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن آمن وعمل صالحاً " ، فنسب الزهد للعلماء ووصف أهله بالعلم ، وذلك غاية الثناء ، وقال تعالى : " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " جاء في التفسير : على الزهد في الدنيا . وقال تعالى : " إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " . قيل : معناه أيهم أزهد في الدنيا ، فوصف الزهد بأنه من أحسن الأعمال . وقال تعالى : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " . وقال تعالى : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم " إلى قوله : " ورزق ربك خيرٌ وأبقى " . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له أمره وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمةٌ " . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " إذا رأيتم العبد قد أوتي منطقاً وزهداً في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة " . وقال تعالى : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً " ، ولذلك قيل : من زهد في الدنيا أربعين يوماً أجرى الله ينابيع الحكمة في قلبه وأطلق بها لسانه . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا " فجعل الزهد سبباً للمحبة ، فمن أحبه الله فهو في أعلى