كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
أهل المعاصي . قال : وكيف كان حبكم للدنيا ؟ قال : حب الصبي لأمه ، إذا أقبلت فرح بها ، وإذا أدبرت حزن وبكى عليها . قال : فما بال أصحابك لا يجيبونني ؟ قال : لأنهم ملجمون بلجمٍ من نارٍ بأيدي ملائكةٍ غلاظٍ شداد . قال : فكيف أجبتني من بينهم ؟ قال : لأني كنت فيهم ولم أكن منهم ، فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم ، فأنا معلقٌ على شفير جهنم لا أدري أنجو منها أم أكب فيها . فقال المسيح للحواريين : " لأكل الخبز الشعير بالملح الجريش ولبس المسوح والنوم على المزابل كثيرٌ مع عافية الدنيا والآخرة .
قيل : وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا فلن تأتني بكبيرةٍ هي أشد منها .
وقال لقمان لابنه : يا بني ، إن الدنيا بحرٌ عميقٌ وقد غرق فبه ناسٌ كثير ، فلتكن فيها سفينتك تقوى الله عز وجل ، وحشوها الإيمان بالله تعالى ، وشراعها التوكل على الله عز وجل ، لعلك تنجو وما أراك ناجياً .
وقال بعض الحكماء : إنك لن تصبح في شيءٍ من الدنيا إلا وقد كان له أهلٌ قبلك ويكون له أهلٌ بعدك ، وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلةٍ وغداء يوم ، فلا تهلك في أكلة ، وصم عن الدنيا وأفطر على الآخرة ، وإن رأس مال الدنيا الهوى وربحها النار .
وقيل لبعضهم : كيف ترى الدهر ؟ قال : يخلق الأبدان ، ويجدد الآمال ، ويقرب المنية ، ويبعد الأمنية . قيل : فما حال أهله ؟ قال : من ظفر به تعب ، ومن فاته نصب . وفي ذلك قيل :
ومن يحمد الدنيا لعيشٍ يسره . . . فسوف لعمري عن قريبٍ يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرةً . . . وإن أقبلت كانت كثيراً همومها