كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 243 """"""
وقال بعض الحكماء : كانت الدنيا ولم أكن فيها ، وتذهب الدنيا ولا أكون فيها ، فلا أسكن إليها ، فإن عيشها نكد ، وصفوها كدر ، وأهلها منها على وجل ، إما بنعمةٍ زائلةٍ ، أو بليةٍ نازلة ، أو منيةٍ قاضية .
وقال أبو حازم : إياكم والدنيا ، فإنه بلغني أنه يوقف العبد يوم القيامة إذا كان معظماً للدنيا فيقال : هذا عظم ما حقره الله .
وقال ابن مسعود : ما أصبح أحدٌ من الناس إلا وهو ضيفٌ وماله عارية ، فالضيف يرتحل والعارية مردودة . وفي ذلك قيل :
وما المال والأهلون إلا وديعةٌ . . . ولا بد يوماً أن ترد الودائع
وزار رابعة العدوية أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها ، فقالت : أمسكوا عن ذكرها ، فلو لا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها ، ألا من أحب شيئاً أكثر من ذكره .
وقال رجلٌ لعليٍ رضي الله عنه يا أمير المؤمنين ، صف لنا الدنيا ، فقال : وما أصف لكم من دار من صح فيها ما أمن ، ومن سقم فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن ، في حلالها الحساب ، وفي حرامها العذاب . وقال الحسن بعد أن تلا قوله تعالى " فلا تغرنكم الحياة الدنيا " : من قال ذا ؟ من خلقها من هو أعلم بها . إياكم وما شغل من الدنيا فإن الدنيا كثيرة الأشغال ، لا يفتح رجلٌ على نفسه باب شغلٍ إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب . وقال أيضاً : مسكينٌ ابن آدم رضي بدارٍ حلالها حساب ، وحرامها عذاب ، إن أخذه من حله حوسب به ، وإن أخذه من حرامٍ عذب به . ابن آدم يستقل ماله ولا يستقل عمله ، يفرح في مصيبته في دينه ويجزع من مصيبته في دنياه .

الصفحة 243