كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 249 """"""
المكان والجوار ، ودنو الدار . وكيف يكون بينهم تواصلٌ وقد طحنهم بكلكله البلى ، وأكلتهم الجنادل والثرى ، وأصبحوا بعد الحياة أمواتاً ، وبعد غضارة العيش رفاتاً ، فجع بهم الأحباب ، وسكنوا التراب ، وظعنوا فليس لهم إياب . هيهات هيهات كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون ، فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى ، وارتهنتم في ذلك المضجع ، وضمكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو قد عاينتم الأمور ، وبعثرت القبور ، وحصل ما في الصدور ، ووقفتم للتحصيل ، بين يدي الملك الجليل ، فطارت القلوب ، لإشفاقها من سالف الذنوب ، وهتكت عنكم الحجب والأستار ، وظهرت منكم العيوب والأسرار ، هنالك تجزى كل نفسٍ ما كسبت . إن الله عز وجل يقول : " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى " ، وقال تعالى : " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً " . جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه ، متبعين لأوليائه ، حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله ، إنه حميد مجيد .
ملحق لهذا الفصل
خطبة قطري بن الفجاءة وسترد في كلام البلغاء في باب الكتابة . وقال بعضهم : يا أيها الناس ، اعملوا على مهل ، وكونوا من الله على وجل ، ولا تغتروا بالأمل ونسيان الأجل ، ولا تركنوا إلى الدنيا فإنها غدارةٌ خداعة ، قد تزخرفت لكم بغرورها ، وفتنتكم بأمانيها ، وتزينت لخطابها ، فأصبحت كالعروس المجلوة ، العيون إليها ناظرة ، والقلوب عليها عاكفة ، والنفوس لها عاشقة . فكم من عاشقٍ لها قتلت ، ومطمئنٍ إليها خذلت . فانظروا إليها بعين الحقيقة فإنها دارٌ كثرت بوائقها ، وذمها خالقها ، جديدها يبلى ، وملكها يفنى ، وعزيزها يذل ، وكثيرها يقل ،

الصفحة 249