كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 25 """"""
الربيع ، وكنت لا أقدر على ملازمتها والجلوس معها خوفاً من أن يظهر ما لها عندي ، فيكون ذلك سبب منعي منها ، فأظهرت لعمتي أني أشتهي أن أتعلم الغناء ويكون ذلك في سترٍ عن جدي - وكان جدي وعمتي على حالٍ من الرقة علي والمحبة لي لا نهاية وراءها ، لأن أبي توفي في حياة جدي الفضل - فقالت : يا بني ، وما دعاك إلى ذلك ؟ فقلت : شهوةٌ غلبت على قلبي ، إن منعت منها مت غماً - قال : وكان لي في الغناء طبعٌ قويٌ - فقالت لي : أنت اعلم وما تختاره ، والله ما أحب منعك من شيء ، وإني كارهةٌ أن تحذق في ذلك وتشتهر فتسقط ويفتضح أبوك وجدك . فقلت : لا تخافي من ذلك ، فإنما آخذ منه مقدار ما ألهو به . ولازمت الجارية لمحبتي إياها بعلة الغناء ، فكنت آخذ عنها وعن صواحباتها حتى تقدمت الجماعة حذقاً وأقرت لي بذلك ، وبلغت ما كنت أريد من الجارية ، وصرت ألازم مجلس جدي . ثم لم يكن يمر لإسحاق ولا لابن جامع ولا للزبير بن دحمان ولا لغيرهم صوتٌ إلا أخذته ، وكنت سريع الأخذ ، إنما كنت أسمعه مرتين أو ثلاثاً وقد صح لي . وأحسست في نفسي قوةً في الصناعة ، فصنعت أول صوتٍ صنعته في شعر العرجي :
أماطت كساء الخز عن حر وجهها . . . وأدنت على الخدين برداً مهلهلا
ثم صنعت :
أقفر من بعد خلةٍ شرف . . . فالمنحنى فالعقيق فالجرف وعرضتهما على الجارية التي كنت أهواها وسألتها عما عندها فيهما ، فقال : لا يجوز أن يكون في الصنعة فوق هذا . وكان جواري الحارث بن بسخنر وجواري أبيه يدخلن إلى دارنا فيطرحن على جواري عمتي وجواري جدي ويأخذن أيضاً ما ليس عندهن ، فأخذنهما مني ، وسألن الجارية عنهما فأخبرتهن أنهما من صنعتي .

الصفحة 25