كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 253 """"""
والإجمال في الدرجة الثانية : أن يزهد في كل صفةٍ للنفس فيها متعة ، وهذا يتناول جميع مقتضيات الطبع من الشهوة والغضب والكبر والرياسة والمال والجاه وغير ذلك .
في الدرجة الثالثة : أن يزهد في المال والجاه وأسبابهما ، إذ إليهما ترجع جميع حظوظ النفس .
وفي الدرجة الرابعة : أن يزهد في العلم والقدرة والدينار والدرهم والجاه ، إذا الأموال وإن كثرت أصنافها فيجمعها الدينار والدرهم ، والجاه وإن كثرت أسبابه فيرجع إلى العلم والقدرة . قال : وأعني به كل علمٍ وقدرة مقصودهما ملك القلوب ، إذ معنى الجاه هو ملك القلوب والقدرة عليها ، كما أن معنى المال ملك الأعيان والقدرة عليها . قال : فإن جاوزت هذا التفصيل إلى شرحٍ وتفصيلٍ أبلغ من هذا فتكاد تخرج ما فيه الزهد عن الحصر . وقد ذكر الله تعالى في آيةٍ واحدةٍ سبعةً منها فقال : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا " . ثم رده في آيةٍ أخرى إلى خمسةٍ فقال : " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد " . ثم رده في موضعٍ آخر إلى اثنين فقال : " وما الحياة الدنيا إلا لهوٌ ولعبٌ " . ثم رد الكل في موضعٍ آخر إلى واحدٍ فقال : " ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى " ، فالهوى لفظٌ يجمع جميع حظوظ النفس في الدنيا ، فينبغي أن يكون الزهد فيه .
قال : فالحاصل أن الزهد عبارةٌ عن الرغبة عن حظوظ النفس كلها .
وقال أبو سليمان الداراني : سمعنا في الزهد كلاماً كثيراً ، والزهد عندنا ترك كل شيءٍ يشغلك عن الله عز وجل ، وقرأ قوله تعالى : " إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ " ، قال : هو القلب الذي ليس فيه غير الله . فهذا بيان أقسامه بالإضافة إلى المرغوب فيه وعنه .

الصفحة 253