كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
وأما أحكامه فتنقسم إلى فرضٍ ونفلٍ وسلامة . فالفرض هو الزهد في الحرام ، والنفل هو الزهد في الحلال ، والسلامة هو الزهد في الشبهات . فهذه درجاته وأقسامه وأحكامه على سبيل الاختصار .
ذكر بيان تفصيل الزهد فيما هو من ضروريات الحياة
قال الغزالي رحمه الله : اعلم أن ما الناس منهمكون فيه ينقسم إلى فضولٍ وإلى مهم ، فالفضول كالخيل المسومة - إذ غالب الناس إنما يقتنيها للترفه بركوبها وهو قادرٌ على المشي - وغير ذلك مما لا ينحصر . ثم حصر المهم الضروي فتميز ما عداه انه فضولٌ . قال : والمهم أيضاً يتطرق إليه فضولٌ في مقداره وجنسه وأوقاته على ما يشرحه من قوله . قال : والمهمات ستة أمورٍ ، وهي : المطعم ، والملبس ، والمسكن ، وأثاثه ، والمنكح ، والمال ، والجاه يطلب لأغراض .
فالمهم الأول المطعم . ولا بد للإنسان من قوتٍ حلالٍ يقيم صلبه ، ولكن له طولٌ وعرضٌ ووقت . فأما طوله فبالإضافة إلى جملة العمر فإن من يملك طعام يومه قد لا يقنع به ، وهو لا يقصر إلا بقصر الأمل ، وأقل درجات الزهد فيه الاقتصار على قدر دفع الجوع عند شدته وخوف المرض . ومن هذا حاله فإذا استقل بما تناوله لم يدخر من غدائه لعشائه ، وهذه الدرجة العليا .
والثانية : أن يدخر لشهرٍ أو أربعين يوماً .
والثالثة : أن يدخر لسنةٍ فقط ، وهذه رتبة ضعفاء الزهاد . ومن ادخر لكثر من ذلك فتسميته زاهداً محال ، لأن من أمل بقاءً أكثر من سنةٍ فهو طويل الأمل جداً فلا يتم منه الزهد إلا إذا لم يكن له كسبٌ ولم يرض لنفسه الأخذ من أيدي الناس ، كداود الطائي فإنه ورث عشرين ديناراً فأمسكها وأنفقها عشرين سنةً ، فهذا لا يضاد الزهد إلا عند من جعل التوكل شرط الزهد .
وأما عرضه فبالإضافة إلى المقدار ، وأقل درجاته في اليوم والليلة نصف رطلٍ ، وأوسطه رطل ، وأعلاه مد - وهو ما قدره الله تعالى في إطعام المساكين في الكفارة - وما وراء ذلك فهو اتساعٌ واشتغالٌ بالبطن . وممن لم يقدر على الاقتصار على مدٍ لم يكن له من الزهد في البطن نصيب .