كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
المهم الثالث المسكن . وللزهد فيه أيضاً ثلاث درجاتٍ ، أعلاها ألا يطلب موضعاً خاصاً لنفسه فيقنع بزوايا المساجد كأصحاب الصفة ، وأوسطها أن يطلب موضعاً خاصاً لنفسه مثل كوخٍ مبنيٍ من سعفٍ أو خصٍ أو ما يشبهه ، وأدناها أن يطلب حجرةً مبنيةً إما بشراءٍ أو إجارة . فإن كان قدر سعة المسكن على قدر حاجته من غير زيادةٍ ولم تكن فيه زينةٌ لم يخرجه هذا القدر عن آخر درجات الزهد . فإن طلب التشييد و التجصيص والسعة وارتفاع السقف أكثر من ستة أذرعٍ فقد جاوز بالكلية حد الزهد في المسكن . قال : والغرض من المسكن دفع المطر والبرد ودفع الأعين والأذى . وأقل الدرجات فيه معلوم ، وما زاد عليه فهو من الفضول ، والفضول كله من الدنيا ، وطالب الفضول الساعي له بعيدٌ من الزهد . وقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " إذا أراد الله بعبدٍ شراً أهلك ماله في الماء والطين " . وقال الحسن : مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يضع لبنةً على لبنة ولا قصبةً على قصبة . وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : مر علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن نعالج خصاً فقال : " ما هذا " قلنا : خصٌ لنا قد وهى ، قال : " أرى الأمر أعجل من ذلك " . واتخذ نوحٌ عليه السلام بيتاً من قصب ، فقيل له : لو بنيت فقال : هذا كثيرٌ لمن يموت . وقال الحسن : دخلنا على صفوان بن محرز وهو في بيتٍ من قصبٍ قد مال عليه ، فقيل له : لو أصلحته فقال : كم من رجلٍ قد مات وهذا قائمٌ على حاله . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من بنى ما يكفيه كلف أن يحمله يوم القيامة " . وفي الخبر : " كل نفقةٍ للعبد يؤجر عليها إلا ما أنفقه في الماء والطين " . وجاء في تفسير قوله تعالى : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً " أنه الرياسة والتطاول في البنيان . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " كل بناءٍ وبالٌ على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن من حرٍ وبرد " . ونظر عمر رضي الله عنه في طريق الشام إلى صرحٍ قد بني بجصٍ وآجرٍ ، فكبر وقال : ما كنت أظن أن يكون في أمتي من يبني بنيان هامان لفرعون . وكان ارتفاع بناء السلف قامةً وبسطة . قال الحسن : كنت إذا دخلت بيوت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ضربت يدي إلى السقف . وقال عمرو بن دينار : إذا على العبد البناء فوق ستة أذرعٍ ناداه ملك : إلى أين يا أفسق الفاسقين . وقال الفضيلي : إني لا أعجب