كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
متاعنا . فقال : إنه لا بد لك من متاعٍ ما دمت هاهنا . فقال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه . ولما قدم عمير بن سعدٍ أمير حمص على عمرٍ قال له : ما معك من الدنيا ؟ فقال : معي عصاي أتوكأ عليها وأقتل بها حيةً إن لقيتها ، ومعي جرابي أحمل فيه طعامي ، ومعي قصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثوبي ، ومعي مطهرتي أحمل فيها شرابي ووضوئي للصلاة ، فما كان بعد هذا من الدنيا فهو تبعٌ لما معي . فقال عمر : صدقت ، رحمك الله . وقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من سفر ، فدخل على فاطمة رضي الله عنها فرأى على باب منزلها ستراً وفي يدها قلبين من فضةٍ فرجع . فدخل عليها أبو رافعٍ وهي تبكي ، فأخبرته برجوع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فسأله أبو رافعٍ فقال : " من أجل الستر والسوارين " : فأرسلت بهما بلالاً إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت : قد تصدقت بهما فضعهما حيث ترى . فقال : " اذهب فبعه وادفعه إلى أهل الصفة " . فباع القلبين بدرهمين ونصفٍ وتصدق بهما عليهم . فدخل عليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : " بأبي أنت قد أحسنت " . وقال الحسن : أدركت سبعين من الأخيار ما لأحدهم إلا ثوبه ، وما وضع أحدهم بينه وبين الأرض ثوباً قط ، كان إذا أراد النوم باشر الأرض بجسمه وجعل ثوبه فوقه . المهم الخامس المنكح . قال الغزالي : وقد قال قائلون : لا معنى للزهد في أصل النكاح ولا في كثرته ، وإليه ذهب سهل بن عبد الله وقال : قد حبب إلى سيد الزاهدين النساء فكيف نزهد فيهن ووافقه ابن عينية ، وقال : كان أزهد الصحابة علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وكان له أربع نسوةٍ وبضع عشرة سرية . قال الغزالي : والصحيح ما قاله أبو سليمان الداراني إذ قال : كل ما شغلك عن الله من أهلٍ ومالٍ وولدٍ فهو عليك مشئوم . والمرأة قد تكون شاغلاً عن الله . قال : وكشف الحق فيه أن قد تكون العزوبة أفضل في بعض الأحوال فيكون ترك النكاح من الزهد . وحيث يكون النكاح أفضل لدفع الشهوة الغالبة فهو واجبٌ فكيف يكون تركه من الزهد وإن لم يكن عليه آفةٌ في تركه ولا فعله ولكن ترك النكاح احترازاً عن ميل القلب إليهن والأنس بهن بحيث يشتغل عن ذكر الله فترك ذلك من الزهد . وإن علم أن المرأة لا تشغله عن ذكر الله ولكن ترك ذلك احترازاً من لذة النظر والمضاجعة والمواقعة فليس هذا من الزهد أصلاً ، فإن الولد