كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 265 """"""
بالله اشتغل به ولم يشتغل بغيره . وقد قال أهل المعرفة : إذا تعلق الإيمان بظاهر القلب أحب الدنيا والآخرة جميعاً وعمل لهما ، وإذا بطن الإيمان في سويداء القلب وباشره أبغض الدنيا ولم ينظر إليها ولم يعمل لها . وقد ورد في دعاء آدم عليه السلام : اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي . وقال أبو سليمان : من شغل بنفسه شغل عن الناس ، وهذا مقام العاملين . ومن شغل بربه شغل عن نفسه ، وهذا مقام العارفين . والزاهد لا بد أن يكون في أحد هذين المقامين .
وبالجملة فعلامة الزهد استواء الفقر والغنى والعز والذل والمدح والذم ، وذلك لغلبة الأنس بالله . ويتفرع عن هذه العلامات علاماتٌ أخر مثل أن يترك الدنيا ولا يبالي من أخذها . وقيل : علامته أن يترك الدنيا كما هي فلا يقول : أبني رباطاً أو أعمر مسجداً ، وهذا من كلام الأستاذ أبي عليٍ الدقاق . وقال ابن خفيف : علامته وجود الراحة في الخروج من الملك . وقال الجنيد : علامته خلو القلب عما خلت منه اليد . وقال أحمد بن حنبل وسفيان : علامة الزهد قصر الأمل . وقال رجلٌ ليحيى بن معاذ : متى أدخل حانوت التوكل وألبس برد الزهد وأقعد مع الزاهدين ؟ فقال : إذا صرت من رياضتك لنفسك في السر إلى حدٍ لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة أيامٍ لم تضعف في نفسك ، فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين جهلٌ ثم لا آمن عليك أن تفتضح . قالوا : ولا يتم الزهد إلا بالتوكل ، فلنذكر التوكل .
ذكر ما ورد في التوكل فضيلته وحقيقته
أما فضيلته فقد قال تعالى : " وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " ، وقال الله تعالى : " وعلى الله فليتوكل المتوكلون " . وقال

الصفحة 265