كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 267 """"""
قال أبو موسى الديلي : قلت لأبي زيدٍ : ما التوكل ؟ فقال : ما تقول أنت ؟ قلت : إن أصحابنا يقولون : لو أن السباع والأفاعي عن يمينك ويسارك ما تحرك لذلك سرك . فقال أبو زيدٍ : نعم هذا قريب ، ولكن لو أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون ، وأهل النار في النار يعذبون ، ثم وقع بك تمييزٌ عليهما خرجت من جملة التوكل . وسئل أبو عبد الله القرشي عن التوكل فقال : التعلق بالله تعالى في كل حالٍ . فقال السائل : زدني ، فقال : ترك كل سببٍ يوصل إلى سببٍ حتى يكون الحق هو المتولي لذلك . وهذا مثل توكل إبراهيم الخليل عليه السلام إذ قال له جبريلٌ : ألك حاجةٌ ؟ فقال : أما إليك فلا ، إذا كان سؤاله يفضي إلى سببٍ فترك ذلك ثقةً بأن الله يتولى ذلك .
قال أبو سعيدٍ الخراز : التوكل اضطرابٌ بلا سكون ، وسكونٌ بلا اضطراب . أشار بالأول إلى فزعه إلى الله تعالى وابتهاله وتضرعه بين يديه كاضطراب الطفل بيديه إلى أمه ، وبالثاني إلى سكون القلب إلى الوكيل وثقته به . وقال أبو علي الدقاق : التوكل على ثلاث درجاتٍ : التوكل ثم التسليم ثم التفويض ، فالمتوكل يسكن إلى وعده ، وصاحب التسليم يكتفي بعلمه ، وصاحب التفويض يرضى بحكمه . وقال : التوكل بداية ، والتسليم وسائط ، والتفويض نهاية . وقال : التوكل صفة المؤمنين ، والتسليم صفة الأولياء ، والتفويض صفة الموحدين .
وسئل ابن عطاءٍ عن حقيقة التوكل فقال : ألا يظهر فيك انزعاجٌ إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها ، ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها . وقال أبو نصرٍ السراج : شرط التوكل ما قاله أبو ترابٍ النخشبي وهو طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية ، فإن أعطي شكر ، وإن منع صبر . وكما

الصفحة 267