كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
قال ذو النون : التوكل ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوة . وقال أبو بكرٍ الدقاق : التوكل رد العيش إلى يومٍ واحدٍ وإسقاط هم غد .
وسئل ذو النون : ما التوكل ؟ فقال : خلع الأرباب ، وقطع الأسباب . فقال السائل : زدني ، فقال : إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية . وقال مسروق : التوكل الاستسلام لجريان القضاء والأحكام . وقال أبو عثمانٍ : التوكل الاكتفاء بالله مع الاعتماد عليه . وقيل : التوكل الثقة بما في يد الله واليأس مما في يد الناس . وقيل : التوكل فراغ السر عن التفكر في التقاضي في طلب الرزق .
ذكر بيان أعمال المتوكلين
قال الغزالي رحمه الله : قد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب ، والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة وكاللحم على الوضم ، وهذا ظن الجهال ، فإن ذلك حرامٌ في الشرع ، والشرع قد أثنى على المتوكلين فكيف ينال مقامٌ من مقامات الدين بمحظورات الدين بل إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعمله إلى مقاصده . وسعي العبد باختياره إما أن يكون لأجل جلبٍ نافعٍ هو مفقودٌ عنده كالكسب ، أو لحفظ نافعٍ هو موجودٌ عنده كالادخار ، أو لدفع ضارٍ لم ينزل به كدفع الصائل والسارق والسباع ، أو لإزالة ضارٍ قد نزل به كالتداوي من المرض . فمقصود حركات العبد لا يعدو هذه الحالات الأربع التي هي جلب النافع أو حفظه أو دفع الضار أو قطعه . ثم ذكر شرط التوكل ودرجاته في كل واحدٍ منها ، وقرن ذلك بشواهد الشرع ، فقال ما مختصره ومعناه : أما جلب النافع ، فالأسباب التي بها يجلب النافع على ثلاث درجاتٍ : مقطوعٌ به ، ومظنونٌ ظناً يوثق به ، وموهومٌ وهماً لا تثق النفس به ثقةً تامةً ولا تطمئن إليه .
فالدرجة الأولى : المقطوع به كالطعام إذا وضع بين يدي الرجل وهو جائعٌ محتاجٌ إلى تناوله فامتنع من مد يده وقال : أنا متوكلٌ ، وشرط التوكل ترك السعي ،