كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 271 """"""
الأولى : أن يأخذ قدر حاجته في الوقت فيأكل إن كان جائعاً ، ويلبس إن كان عارياً ، ويشتري مسكناً مختصراً إن كان محتاجاً ، ويفرق الباقي في الحال ولا يدخر منه إلا ما أرصده لمحتاجٍ ، فهذا هو الموفي بموجب التوكل تحقيقاً ، وهي الدرجة العليا .
الحالة الثانية المقابلة لهذه المخرجة له عن حدود التوكل : أن يدخر لسنةٍ فما فوقها ، فهذا ليس من المتوكلين أصلاً .
الحالة الثالثة : أن يدخر لأربعين يوماً فما دونها ، فهذا يوجب حرمانه من المقام المحمود الموعود في الآخرة للمتوكلين . وقال الخواص : لا يخرج بأربعين يوماً ويخرج بما زاد عليها .
وأما دفع الضار عن النفس والمال فقد قال الغزالي رحمه الله : ليس من شرط التوكل ترك الأسباب الدافعة للضرر . أما في النفس فكالنوم في الأرض المسبعة أو في مجاري السيل من الوادي أو تحت الجدار المائل أو السقف المتكسر ، فإن ذلك منهيٌ عنه وصاحبه قد عرض نفسه إلى الهلاك بغير فائدةٍ . وأما في المال فلا ينقص التوكل إغلاق باب البيت عند الخروج منه ولا أن يعقل البعير . فهذه أسبابٌ عرفت بسنة الله تعالى ، فقد روي عن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه أنه قال : جاء رجلٌ على ناقةٍ فقال : يا رسول الله ، أدعها وأتوكل ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " اعقلها وتوكل " .
وأما إزالة الضرر فقد قال الغزالي رحمه الله تعالى : إن الأسباب المزيلة للضرر تنقسم إلى مقطوعٍ به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع ، وإلى مظنونٍ كالفصد والحجامة وشرب الدواء وسائر أبواب الطب ، وإلى موهومٍ كالكي والرقية .

الصفحة 271