كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 273 """"""
الثالث : أن تكون العلة مزمنةً والدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى علته موهومٌ كالكي والرقية ، فتركه للتوكل كالربيع بن خيثم فإنه أصابه فالج ، فقيل له : لو تداويت فقال : لقد هممت ثم ذكرت عاداً وثمود وقروناً بين ذلك كثيراً وكان فيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى ولم تغن الرقى شيئاً . أي أن الدواء غير موثوقٍ به .
الرابع : أن يقصد العبد ترك التداوي استيفاءً للمرض لينال ثواب المرض بحسن الصبر على بلاء الله تعالى وليجرب نفسه في القدرة على الصبر .
الخامس : أن يكون العبد قد سبق له ذنوبٌ وهو خائفٌ منها عاجزٌ عن تكفيرها فيرى المرض إذا طال تكفيرا ، وترك التداوي خوفاً من أن يسرع زوال المرض ورغب في مضاعفة الأجر . فقد ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : " حمى يومٍ كفارة سنة " .
السادس : أن يستشعر العبد في نفسه مبادئ البطر والطغيان بطول مدة الصحة ، فيترك التداوي خوفاً من أن يعاجله زوال المرض فتعاوده الغفلة والبطر والطغيان أو طول الأمل والتسويف في تدارك الفائت وتأخير الخيرات ، فإن الصحة تحرك الهوى وتبعث على الشهوات وتدعو إلى المعاصي ، وأقلها أن تدعوا إلى التنعم في المباحات وهو تضييع الأوقات وإهمال الربح العظيم في مخالفة النفس وملازمة الطاعات . وإذا أراد الله بعبدٍ خيراً لم يخله عن التنبيه بالأمراض والمصائب ، ولذلك قيل : لا يخلوا المؤمنون من علةٍ أو قلةٍ أو ذلةٍ . قال : فلما أن كثرت فوائد المرض رأى جماعةٌ ترك الحيلة في زوالها ، إذ رأوا لأنفسهم مزيداً فيها لا من حيث رأوا التداوي نقصاناً ، وكيف يكون ذلك نقصاناً وقد فعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
فهذه نبذةٌ كافيةٌ في مقامي الزهد والتوكل . فلنذكر الأدعية .
الباب الرابع من القسم الرابع من الفن الثاني في الأدعية
وهذا الباب - يقبل الله منا ومنك وفينا وفيك صالح الدعوات ، وجعلنا وإياك ممن اعتمد على كرمه ومنته في الحركات والسكنات ، ووفقنا للتضرع والسكون إلى

الصفحة 273