كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 28 """"""
فقال : نعم أول صوتٍ صنعته :
أتاني يؤامرني في الصبو . . . ح ليلاً فقلت له غادها
فلما دار لي وضربت عليه بالكنكلة ، عرضته على جاريةٍ لنا يقال لها راحة ، فاستحسنته ، وأخذته عني . وكانت تختلف إلى إبراهيم الموصلي ، فسمعها يوماً تغنيه وتناغي به جاريةً من جواريه ، فاستعادها إياه فأعادته ، فقال : لمن هذا الصوت ؟ قالت : صوتٌ قديمٌ . قال : كذبت لو كان قديماً لعرفته . وما زال يداريها ويتغاضب عليها حتى اعترفت له أنه من صنعتي ، فعجب من ذلك . ثم غناه يوماً بحضرة الرشيد ليغرب به على المغنين ، فاستحسنه الرشيد ، فقال له : لمن هذا يا إبراهيم ؟ فأمسك عن الجواب وخشي أن يكذبه فينمى إليه الخبر من غيره ، وخاف من جدي إن يصدقه ، فقال له : مالك لا تجيبني ؟ قال : ما يمكنني يا أمير المؤمنين . فاستراب بالقصة ، فأقسم الرشيد أنه إن لم يعرفه عاقبه عقوبةً توجعه ، وتوهم انه لعلية بنت المهدي أو لبعض حرمه فأستطير غضباً . فلما رأى إبراهيم الجد منه صدقه فيما بينه وبينه سراً . فدعا لوقته بالفضل بن الربيع وقال له : أيصنع ولدك غناءً يرويه الناس ولا تعرفني فجزع وحلف بحياته وبيعته انه ما عرف ذلك قط ولا سمع به إلا في وقته ذلك . وساق باقي الخبر نحو ما تقدم .
قال عبد الله بن العباس : دخل محمد بن عبد الملك الزيات على الواثق وأنا بين يديه أغنيه وقد استعادني صوتاً فأعدته ، فاستحسنه محمد بن عبد الملك وقال : هذا والله يا أمير المؤمنين أولى الناس بإقبالك عليه وإصغائك إليه ، فقال : أجل هذا والله مولاي وابن مولاي لا يعرفون غير ذلك . فقال : ليس كل مولى يا أمير المؤمنين مولى لمواليه ، ولا كل مولى يتجمل بولائه يجمع ما جمعه عبد الله من ظرفٍ وأدبٍ وصحة عقلٍ وفضل علمٍ وجودة شعر . فقال له : صدقت يا محمد . فلما كان من الغد جئت محمد بن عبد الملك شاكراً لحسن محضره ، فقلت في أضعاف كلامي : وأفرط الوزير ، أعزه الله تعالى ، في وصفي وتقريظي في كل شيءٍ حتى وصفني بجودة

الصفحة 28