كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
الشعر ، وليس ذلك عندي ، وإنما أعبث بالبيتين والثلاثة . ولو كان عندي أيضاً شيءٌ من ذلك لصغر عن أن يصفه الوزير ويحكيه في هذا المجلس الرفيع المشهور . فقال : والله يا أخي لو عرفت مقدار قولك :
يا شادناً رام إذ م . . . ري في الشعانين قتلى
يقول لي : كيف أصبح . . . ت ؟ كيف يصبح مثلي
لما قلت هذا القول . والله لو لم يكن لك شعرٌ في عمرك إلا قولك : كيف يصبح مثلي لكنت شاعراً مجيداً . وهذا الشعر قاله عبد الله بن العباس في نصرانيةٍ كان يهواها ولا يصل إليها إلا إذا خرجت إلى البيعة ؟ وله معها أخبارٌ وأشعارٌ له فيها أصواتٌ . منها قوله :
إن في القلب من الظبي كلوم . . . فدع اللوم فإن اللوم لوم
حبذا يوم الشعانين وما . . . نلت فيه من نعيمٍ لو يدوم
إن أكن أعظمت أن همت به . . . فالذي تركب من عذلي عظيم
لم اكن أول من سن الهوى . . . فدع العذل فذا داءٍ قديم وروى أبو الفرج بسنده إلى محمد بن جبيرٍ قال : كنا عند أبي عيسى بن الرشيد في زمن ربيع وعندنا مخارق وعلويه وعبد الله بن العباس الربيعي و عبد الله بن الحارث بن بسخنر ونحن مصطحبون في طارمةٍ مضروبةٍ على بستانه وقد تفتح فيه ورد وياسمين وشقائق والسماء متغيمة غيماً مطبقاً وقد بدأت ترش رشاً ساكباً ، فنحن في أكمل نشاطٍ وأحسن يومٍ ، إذ خرجت قيمة دار أبي عيسى فقالت : يا سيدي ، قد جاءت عساليج ، قال : تخرج إلينا فليس بحضرتنا من تحتشمه . قال : فخرجت إلينا جاريةٌ شكلةٌ حلوةٌ حسنة العقل والهيئة والأدب في يدها عودٌ فسلمت ، وأمرها أبو عيسى بالجلوس فجلست . وغنى القوم حتى انتهى الدور إليها ، وظننا أنها لا تصنع شيئاً وخفنا أن تهابنا فتحصر ، فغنت غناءً حسناً مطرباً متقنا ، لم تدع أحداً ممن حضر

الصفحة 29