كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 30 """"""
إلا غنت صوتاً من صنعته فأدته على غاية الإحكام ، فطربنا واستحسنا غناءها و خاطبناها بالاستحسان ، وألح عبد الله بن العباس من بيننا بالاقتراح عليها والمزاح معها والنظر إليها . فقال أبو عيسى : عشقتها وحياتي يا عبد الله فقال : لا والله يا سيدي وحياتك ما عشقتها ، ولكن استملحت كل ما شاهدته منها من منظرٍ وشكلٍ وعقلٍ وعشرةٍ وغناء . فقال له : ويحك فهذا والله هو العشق وسببه . ورب جدٍ جره اللعب . قال : وشربنا ، فلما غلب النبيذ على عبد الله غنى أهزاجاً قديمةً وحديثة ، وغنى فيما بينها هزجاً في شعرٍ قاله فيها لوقته ، فما فطن له إلا أبو عيسى ، وهو :
نطق المكتوم مني فبدا . . . كم ترى المكتوم مني لا يضح
سحر عينيك إذا ما رنتا . . . لم يدع ذا صبوةٍ أو يفتضح
ملكت قلباً فأمسى غلقاً . . . عندها صباً بها لم يسترح
بجمالٍ وغناءٍ حسنٍ . . . جل عن أن ينتقيه المقترح
أورث القلب هموماً ولقد . . . كنت مسروراً بمرآه فرح
ولكم مغتبق هماً وقد . . . باكر اللهو بكور المصطبح
فقال له أبو عيسى : فعلتها والله يا عبد الله ، صح والله قولي لك في عساليج وأنت تكابر حتى فضحك السكر . فجحد وقال : هذا غناءٌ كنت أرويه . فحلف أبو عيسى أنه ما قاله وما غناه إلا في يومه ، وقال له : احلف بحياتي أن الأمر ليس هو كذلك فلم يفعل . فقال أبو عيسى : والله لو كانت لي لوهبتها لك ، ولكنها لآل يحيى ابن معاذ ، ووالله إن باعوها لأملكنك إياها ولو بكل ما املك ووحياتي لتنصرفن قبلك إلى منزلك . ثم دعا بحافظتها وخادماً من خدمه فوجه بها معهما إلى منزله . والتوى عبد الله قليلاً وتجلد ثم انصرف . واتصل الأمر بينهما بعد ذلك فاشترتها عمته رقية بنت الفضل بن الربيع من آل يحيى بن معاذ ، وكانت عندهم حتى ماتت . قال : وقالت بذل الكبيرة لعبد الله بن العباس : قد بلغني أنك عشقت جاريةً اسمها

الصفحة 30