كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 33 """"""
فإذا برجلٍ راكبٍ على حمارٍ يؤمنا وهو يصيح : أحسنت والله فقلنا اصعد إلينا كائناً من كنت ، فصعد وقال : لو منعتموني من الصعود لما امتنعت ، ثم سفر اللثام عن وجهه فإذا هو مخارق . فقال : يا أبا جعفر ، اعد على صوتك فأعاده ، وشرب رطلاً من شرابنا وقال : لولا أني مدعو الخليفة لأقمت عندكم واستمعت هذا الغناء الذي هو أحسن من النزهة غب المطر .
وله مع إسحاق بن إبراهيم ومخارق أخبارٌ شهدا له فيها بحسن الصنعة ، وكفاه ذلك فضلاً في صناعته .
ذكر أخبار محمد بن الحارث بن بسخنر
قال أبو الفرج الأصفهاني : هو من أهل الري ، مولى المنصور ، من ولد بهرام شوبين مرزبان الري . قال : وهو مرتجلٌ قليل الصنعة حسن الغناء والنغم بقوةٍ وشجاً واقتدار شديد على الغناء ، وكان في زمانه أحد المعدودين في حسن الأدب وتمام المروءة وحسن الزي والآلة ، وكان عظيم التيه رفيع الهمة ، وكانت له منزلةٌ عند المأمون . قال محمد بن الحارث : كنت مع المأمون وهو يريد بلاد الروم ومعه عدةٌ من المغنين ، فجلس يوماً والمعتصم والعباس معه من حيث لا نراهم وهم يسمعون غناءنا ، فغنى المغنون جميعاً وغنيت هزجاً لإسماعيل بن جامع ، فبعث إلي المأمون بأصل شاهشفرم وقد لف أصله بمنديل حرير ، فجاءني به الغلام وقال : أعد الصوت ، فأخذته وشممته وثبت فأعدته قائماً ، ووضعت الأصل بين يدي وشربت رطلاً وقلت للمغنين : حكم لي أمير المؤمنين بالحذق والغناء . فقالوا : وكيف ؟ قلت : دفع إلي لواء الغناء من بينكم . فقالوا : ليست كما ذكرت ، ولكن حياك إذ أطربته ، والرسول قائمٌ فانصرف بالخبر ، فما لبث أن رجع إلي فقال : هو كما ذكرت .
قال أبو العنبس بن حمدون : كان محمد بن الحارث أحسن خلق الله شمائل وإشارةً إذا غنى . وقال أحمد بن حمدون : صنع محمد بن الحارث هزجاً في هذا

الصفحة 33