كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
أمية ينظر إلى الجرادتين وهو عنده فأعطاه إياهما . وقد قيل في سبب إعطائه إياهما : إن أمية بن أبي الصلت قدم عليه ، فقال له عبد الله : أمرٌ ما أتى بك فقال أمية : كلاب غرماءٍ قد نبحتني ونهشتني . فقال له عبد الله : قدمت علي وأنا عليلٌ وحقوقٌ لحقتني ولزمتني ، فانظرني قليلاً وقد ضمنت قضاء دينك فلا أسألك عن مبلغه ، قال : فأقام أمية أياماً ثم أتاه فقال :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني . . . حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالأمور وأنت قرمٌ . . . لك الحسب المهذب والسناء
كريمٌ لا يغيره صباحٌ . . . عن الخلق الكريم ولا مساء
تباري الريح مكرمةً ومجداً . . . إذا ما الكلب أجحره الشتاء
إذا أثنى عليك المرء يوماً . . . كفاه من تعرضه الثناء
إذا خلفت عبد الله فاعلم . . . بأن القوم ليس لهم جزاء
فأرضك كل مكرمةٍ بنتها . . . بنو تيمٍ وأنت لهم سماء
وهل تخفى السماء على بصيرٍ . . . وهل بالشمس طالعةً خفاء فلما أنشده أمية هذا الشعر كانت عنده قينتان ، فقال لأمية : خذ أيتهما شئت ، فأخذ إحداهما وانصرف ، فمر بمجلسٍ من مجالس قريشٍ فلاموه على أخذها ، وقالوا له : لقد ألفيته عليلاً ، فلو رددتها عليه ، فإن الشيخ محتاجٌ إلى خدمتها ، كان ذلك أقرب لك عنده وأكثر من كل حقٍ ضمنه . فوقع الكلام من أمية موقعاً وندم ، فرجع إليه ليردها عليه . فلما أتاه بها ، قال ابن جدعان : لعلك إنما رددتها لأن قريشاً لاموك على أخذها ، وذكر لأمية ما قال القوم . فقال أمية : والله ما أخطأت يا أبا زهير . قال : فما الذي قلت في ذلك ؟ فقال :
عطاؤك زينٌ لامرئٍ إن حبوته . . . ببذلٍ وما كل العطاء يزين
وليس بشينٍ لامرئٍ بذل وجهه . . . إليك كما بعض السؤال يشين