كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
فرفعت صوتي وغنيتهن بشعر زهير بن أبي سلمى :
وما ذكرتك إلا هجت لي طرباً . . . إن المحب ببعض الأمر معذور
ليس المحب كمن إن شط غيره . . . هجر الحبيب ، وفي الهجران تغيير
فحينئذٍ شاع أمري وظهر ذكري وقصدني الناس وجلست للتعليم ، فكان الجواري يكثرن عندي ، وربما انصرف أكثرهن ولم يأخذن شيئاً سوى ما سمعنني أطارح غيرهن ، وقد كسبت لموالي ما لم يخطر لهم ببال ، وأهل ذلك كانوا وكنت . وقد أقر لجميلة كل مكيٍ ومدنيٍ من المغنين . قال : ولما قدم ابن سريج والغريض وابن مسجح وسلم بن محرز المدينة واجتمعوا هم ومعبد وابن عائشة حكموها بينهم ، واجتمعوا عندها ، وصنع كلٌ منهم صوتاً وغناه بحضرتها - وقد ذكر الأصفهاني الأصوات - فلما سمعت الأصوات قالت : كلكم محسنٌ ومجيدٌ في غنائه ومذهبه . قال ابن عائشة : ليس هذا بمقنع . قالت : أما أنت يا أبا يحيى فتضحك الثكلى بحسن صوتك ومشاكلته النفوس . وأما أنت يا أبا عباد فنسيج وحده بتأليفك وحسن نظمك وعذوبة غنائك . وأما أنت يا أبا عثمان فلك أولية هذا الأمر وفضله . وأما أنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح . وأما أنت يا أبا الخطاب فلو قدمت أحداً على نفسي لقدمتك . وأما أنت يا مولى العبلات فلو ابتدأت قدمتك عليهم . ثم سألوها جميعاً أن تغنيهم لحناً كما غنوا ، فغنتهم ، فكلهم أقروا لها وفضلوها .
وكانت جميلة قد آلت أنها لا تغني أحداً إلا في منزلها . فكان عبد الله بن جعفر يأتيها في مجلسها فيجلس عندها وتغنيه . فأرادت أن تكفر عن يمينها وتأتيه فتغنيه في بيته ، فقال : لا أكلفك ذلك .