كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 46 """"""
وأحضر الغداء فتغدى القوم بأنواع من الأطعمة ومن الفواكه ، ثم دعت بأنواع الأشربة ، فقال عمر : لا اشرب ، وقال ابن أبي عتق مثل ذلك ، فقال الأحوص : لكني أشرب ، وما جزاء جميلة أن يمتنع من شرابها فقال عمر : ليس ذلك كما ظننت . فقالت جميلة : من شاء أن يحملني بنفسه ويخلط روحه بروحي فعل ، ومن أبي ذلك عذرناه ، ولم يمنعه ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه والأنس بمحادثته . قال ابن أبي عتيق : ما يحسن بنا إلا مساعدتك . فقال عمر : إني لا أكون أخسكم ، افعلوا ما شئتم تجدوني سامعاً مطيعاً . فشرب القوم أجمع ، فغنت بشعر ابن أبي ربيعة :
ولقد قالت لجاراتٍ لها . . . كالمها يلعبن في حجرتها
خذن عني الظل لا يتبعني . . . ومضت تسعى إلى قبتها
لم تعلق رجلاً فيما مضى . . . طفلةٌ غيداء في حلتها لم يطش قط لها سهمٌ ومن . . . ترمه لا ينج من رميتها
فصاح عمر ثم شق جيب قميصه إلى أسفله ، ثم ثاب إليه عقله فندم واعتذر وقال : لم أملك من نفسي شيئاً . وقال القوم : قد أصبنا الذي أصابك وأغمي علينا غير أننا قد فارقناك في تخريق الثياب . فدعت جميلةٌ بثيابٍ فجعلتها على عمرٍ فقبلها ولبسها ، وانصرف القوم إلى منازلهم . وكان عمر نازلاً على ابن أبي العتيق ، فوجه إلى جميلة بعشرة آلاف درهم وعشرة أثوابٍ كانت معه فقبلتها جميلة ، وانصرف عمر إلى مكة جذلان مسروراً .
وروى أبو الفرج بأسانيد رفعها إلى يونس الكاتب والزبير بن بكار عن

الصفحة 46