كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
فقالت جميلة : يا عز ، إنك لباقيةٌ على الدهر ، فهنيئاً لك حسن هذا الصوت مع جودة هذا الغناء . ثم قالت لحبابة وسلامة : هاتيا لحناً واحداً ، فغنتا فاستحسن غناؤهما . ثم أقبلت على خليدة فقالت : بنفسي أنت غني فغنت ، فاستحسن منها ما غنت . ثم قالت لعقيلة والشماسية : هاتيا ، فغنتا . ثم قالت لفرعة ونبيلة ونديمة ولذة العيش هاتين ، فغنين ، فقالت : أحسنتن . وقالت لسعيدة والزرقاء : غنيا ، فغنتا . ثم قالت للجماعة فغنوا ، وانقضى المجلس وعاد كل إنسانٍ إلى وطنه . فما رئي مجلسٌ ولا جمعٌ أحسن من هذه الأيام الثلاثة . وقد ذكر أبو الفرج ما غنى به كل واحدٍ منهم فأوردنا بعضه وتركنا بعضه اختصارا . وأخبارٌ جميلة كثيرة ، قد ذكر منها أبو الفرج الأصفهاني جملةً تدل على أنها كانت مبجلةً عند الأشراف معظمةً عند المغنين ، يأخذون عنها ويأتمرون بأمرها ، ويسعون إليها ، وينطقون إذا استنطقتهم ، ويكفون إذا استكفتهم ، وفيما قدمناه دلالةً على ذلك والله أعلم .
ذكر أخبار عزة الميلاء
قال أبو الفرج الأصفهاني : كانت عزة مولاةً للأنصار ، ومسكنها المدينة ، وهي أقدم من غنى الغناء الموقع من نساء الحجاز ، وماتت قبل جميلة . قال : وقد أخذ عنها معبدٌ ومالك بن أبي السمح وابن محرز وغيرهم من المكيين والمدنيين . وكانت من أجمل النساء وجهاً وأحسنهن جسما . وسميت الميلاء لتمايلها في مشيتها .
وقال معبد : كانت من أحسن النساء ضرباً بعود ، مطبوعة على الغناء ، لا يعيبها أداؤه ولا صنعته ولا تأليفه ، وكانت تغني أغاني القيان القدماء مثل شيرين وزرياب وخولة والرباب وسلمى ورائقة ، وكانت رائقة أستاذتها . فلما قدم نشيطٌ وسائب ، خاثر المدينة غنيا أغاني بالفارسية ، فأخذت عزة عنهما نغماً وألفت عليها ألحاناً عجيبة ، فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء وحرض رجالهم ونسائهم عليه .
وقال الزبيري : وجدت مشايخ أهل المدينة إذا ذكروا عزة قالوا : لله درها ما كان أحسن غناءها ، وأطل صوتها ، وأندى حلقها ، وأحسن ضربها بالمزاهر