كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 53 """"""
والمعازف وسائر الملاهي ، وأجمل وجهها ، وأظرف لسانها ، وأقرب مجلسها ، وأكرم خلقها ، وأسخى نفسها ، وأحسن مساعدتها . وكانت جميلة تقول مثل ذلك فيها .
وكان ابن سريج في حداثة سنه يأتي المدينة فيأخذ عنها ويتعلم منها ، وكان بها معجباً ، وكان إذا سئل : من أحسن الناس غناءً ؟ قال : مولاة الأنصار المتفضلة على كل من غنى وضرب بالمعازف والعيدان من الرجال والنساء .
وكان ابن محرز يقيم بمكة ثلاثة أشهرٍ ثم يأتي المدينة فيقيم بها ثلاثة أشهر من أجل عزة ، وكان يأخذ عنها . وقد تقدم ذلك في أخباره .
وكان طويس أكثر ما يأوي إلى منزل عزة ، وكان في جوارها ، وكان إذا ذكرها يقول : هي سيدة من غنى من النساء ، مع جمالٍ بارع ، وخلقٍ فاضل ، وإسلامٍ لا يشوبه دنس ، تأمر بالخير وهي من أهله ، وتنهى عن الشر وهي تجانبه ، فناهيك بها ما كان أنبلها وأنبل مجلسها . ثم قال : كانت إذا جلست جلوساً عاماً فكأن الطير على رءوس أهل مجلسها ، فمن تكلم أو تحرك نقر رأسه .
وقال صالح بن حسان الأنصاري : كانت عزة مولاةً لنا ، وكانت عفيفةً جميلة . وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق وعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة يغشونها في منزلها فتغنيهم . وغنت عمر بن أبي ربيعة لحناً لها في شيءٍ من شعره ، فشق ثيابه وصاح صيحةً عظيمةً صعق معها . فلما أفاق قال له القوم : لغيرك الجهل يا أبا الخطاب ، قال : إني سمعت والله ما لم املك معه نفسي ولا عقلي .
وكان حسان بن ثابت معجباً بها ، وكان يقدمها على سائر قيان المدينة . وقد ذكرنا خبرها مع النعمان بن بشير وحسان بن ثابت ، وأن كل واحدٍ منهما سمع غناءها ، فبكي حسان بن ثابت واستعاد النعمان بن بشير صوتها مرارا ، وتقدم أيضا من

الصفحة 53